فصل: 1852- باب ومن سورة محمد صلى الله عليه وسلم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي للمباركفوري ***


1844- باب ومن سورة ص

مكية وهي ست أو ثمان وثمانون آية

بسم الله الرحمن الرحيم 3351- حدثنا مَحمُودُ بنُ غَيْلاَنَ وَعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ المَعْنَى وَاحِدٌ قالاَ‏:‏ أخبرنا أَبُو أَحْمَدَ، أخبرنا سفيان عن الأعْمَشِ عَن يَحْيَى قَالَ‏:‏ عَبْدُ هو ابنُ عَبّادٍ عَن سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ عَن ابنِ عَبّاسٍ قَالَ‏:‏ ‏"‏مَرِضَ أَبُو طالِبٍ فَجَاءَتْهُ قُرَيْشٌ وَجَاءَهُ النبيّ صلى الله عليه وسلم وَعِنْدَ أَبِي طالِبِ مَجْلِسُ رَجُلٍ فَقَامَ أَبُو جَهْلٍ كَيْ يَمْنَعَهُ قالَ وَشَكَوْهُ إلى أَبي طالِبٍ فَقَالَ يَا ابْنَ أَخِي مَا تُرِيدُ مِنْ قَوْمِكَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ إنيّ أُرِيدُ مِنْهُمْ كَلِمَةً واحدةً تَدِينُ لَهُمْ بهَا العربُ وتُؤَدّي إلَيْهِمُ الْعَجَمُ الجِزْيَةَ، قالَ كَلِمَةً وَاحِدَةً‏؟‏ قالَ‏:‏ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ يَا عَمّ يقُولُوا لا إلَهَ إلاّ الله فَقَالُوا ‏{‏إِلَهاً وَاحِدَا‏}‏‏؟‏ مَا سَمِعْنَا بِهَذَا في المِلّةِ الاَخِرَةِ إنْ هَذَا إِلاّ اخْتِلاَقٌ‏}‏ قالَ فَنَزَلَ فِيهِمُ القُرآنُ ‏{‏ص والقُرآنِ ذي الذّكْرِ بَلِ الّذِينَ كَفَرُوا في عِزّةٍ وَشِقَاقٍ‏}‏ إِلى قَوْلِهِ ‏{‏مَا سَمِعْنَا بِهَذَا في المِلّةِ الاَخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلاّ اخْتِلاَقٌ‏}‏‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديث حسن‏.‏ وروى يحيى بن سعيد عن سفيان عن الأعمش نحو هذا الحديث وقال يحيى بن عمارة حدثنا بنذار حدثنا يحيى بن سعيد عن سفيان نحوه عن الأعمش‏.‏

3352- حدثنا سلمة بن شبيب و عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ قالا‏:‏ حدثنا عَبْدُ الرّزّاقِ عَن مَعْمَرٍ عَن أَيّوبَ عَن أَبي قِلاَبَةَ عَن ابنِ عَبّاسٍ قَال‏:‏ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏أَتَانِي اللّيْلَةَ رَبّي تَبَارَكَ وَتَعَالَى في أَحْسَنِ صُورَةٍ- قَالَ أَحْسِبُهُ في المَنَامِ- فَقَالَ يَا مُحَمَدُ هَلْ تَدْرِيَ فِيمَ يَخْتَصِمُ المَلأُ الأَعْلَى‏؟‏ قَالَ قُلْتُ لا، قَالَ فَوَضَعَ يَدَهُ بَيْنَ كَتِفَيّ حَتّى وَجَدْتُ بَرْدَهَا بَيْنَ ثَدْيَيّ أَوْ قَالَ في نَحْرِي فَعَلِمْتُ مَا فِي السّمَاواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ‏.‏ قَالَ يَا مُحَمّدُ هَلْ تَدْرِي فِيمَ يَخْتَصِمُ المَلأُ الأَعْلَى‏؟‏ قُلْتُ نَعَمْ في الكَفّارَاتِ، والكَفّارَاتُ المُكْثُ فِي المَسْجِدِ بَعْدَ الصّلوات، والمَشْيُ عَلَى الأَقْدَامِ إلى الجَمَاعَاتِ وإسْبَاغُ الوُضُوءِ فِي المَكارِهِ، ومَنْ فَعَلَ ذَلِكَ عَاشَ بِخَيْرٍ وَمَاتَ بِخَيْرٍ وَكَانَ مِنْ خَطِيئَتِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمّهُ، وقَالَ يَا مُحَمّدُ إذَا صَلّيْتَ فَقُلْ اللّهُمّ إنّي أَسْأَلُكَ فِعْلَ الخَيْراتِ وتَرْكَ المُنْكَرَاتِ وحُبّ المَسَاكِينِ وإِذَا أَرَدْتَ بِعِبَادِكَ فِتْنَةً فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ غَيْرَ مَفْتُونٍ‏.‏ قَالَ والدّرَجَاتُ إِفْشَاءُ السّلاَمِ وَإطْعَامُ الطّعَامِ والصّلاَةُ باللّيْلِ والنّاسِ ونيَامٌ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وقَدْ ذَكَرُوا بَيْنَ أَبي قِلابَةَ وبَيْنَ ابنِ عَبّاسٍ في هذا الْحَدِيثِ رَجُلاً وقَدْ رَوَاهُ قَتَادَةُ عَن أَبي قِلاَبَةَ عَن خَالِدِ بنِ اللّجْلاَجِ عَن ابنِ عَبّاسٍ‏.‏

3353- حدثنا محمّدُ بنُ بَشّارٍ حدثنا مُعَاذُ بنُ هِشَامٍ حَدّثَني أَبي عَن قَتَادَةَ عَن أَبي قِلاَبَةَ عَن خَالِدِ بنِ اللّجْلاَجِ عَن ابنِ عَبّاسٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ ‏"‏أَتَاني رَبّي فِي أَحْسَن صُورَةٍ فَقَالَ يَا مُحمّدُ، قُلْتُ لَبّيْكَ رَبّي وَسَعْدَيْكَ قَالَ فِيمَ يَخْتَصِمُ المَلأُ الأَعْلَى‏؟‏ قُلْتُ رَبّ لا أَدْرِي‏.‏ فَوَضَعَ يَدَهُ بَيْنَ كَتِفَيّ حَتّى وَجَدْتُ بَرْدَهَا بَيْنَ ثَدْيَيّ فَعَلِمْتُ مَا بَيْنَ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ، قَالَ يَا مُحَمّدُ، فَقُلْتُ لَبّيْكَ رَبّ وَسَعْدَيْكَ، قَالَ فِيمَ يَخْتَصِمُ المَلأُ الأَعْلَى‏؟‏ قُلْتُ في الدّرَجَاتِ والكَفّارَاتِ، وفي نَقْلِ الأَقْدَامِ إِلى الْجماعَاتِ، وإِسْبَاغِ الوُضُوءِ فِي المَكْرُوهَاتِ، وانْتِظَارِ الصّلاَةِ بَعْدَ الصّلاة، ومَنْ يُحَافِظْ عَلَيْهِنّ عَاشَ بِخَيْرٍ وَمَاتَ بِخَيْرٍ وكَانَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ ولَدَتْهُ أُمّهُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ قَالَ وفي البابِ عَن مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ وعَبْدِ الرّحْمَنِ بنِ عَائِش عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏ وقد رُوِيَ هَذَا الْحَدِيث عَن مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم بِطُولِهِ وقَالَ‏:‏ ‏"‏إنّي نَعَسْتُ فاسْتَثْقَلْتُ نَوماً فَرَأَيْتُ رَبّي في أَحْسَنِ صُورَةٍ فَقَالَ فِيمَ يَخْتَصِمُ المَلأُ الأَعْلَى‏.‏‏.‏‏.‏‏"‏‏.‏

3354- حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ حَدّثَنَا مُعَاذُ بنُ هَانِيءٍ حَدّثَنَا أَبُو هانئ السّكّرِيّ حدثَنا جَهْضَمُ بنُ عَبْدِ الله عَن يَحْيَى بن أبي كثِيرٍ عن زَيْدِ بنِ سَلاَمٍ عَن أَبي سَلاَمٍ عَن عَبْدِ الرّحْمَنِ بنِ عَائِشٍ الْحَضْرَمِيّ أَنّهُ حَدّثَهُ عَن مَالِكِ بن يُخَامَر السّكْسَكِيّ عَن مُعَاذِ بن جَبَلٍ رضي الله عنه قَالَ ‏"‏احْتَبَسَ عَنّا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم ذَا غَدَاةٍ مِنْ صَلاَة الصّبْح حَتّى كِدْنَا نَتَراءَى عَيْنَ الشّمْسِ فخَرَجَ سريعاً فَثُوّبَ بالصّلاَةِ فَصَلّى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَتَجَوّزَ في صَلاَتِه، فَلّما سَلّمَ دَعا بِصَوْتِهِ فَقَالَ لَنَا‏:‏ عَلَى مَصَافّكُمْ كَمَا أَنْتُمْ ثُمّ انْفَتَلَ إِلَيْنَا ثم قَالَ‏:‏ أَمَا إِنّي سَأُحَدّثُكُمْ مَا حَبَسَنِي عَنْكُم الغَدَاةَ أَنّي قُمْتُ مِنَ اللّيْلِ فَتَوَضّأْتُ فَصَلّيْتُ مَا قُدّرَ لِي فَنَعَسْتُ فِي صَلاَتِي حتى اسْتَثْقَلْتُ فإِذَا أَنَا بِرَبّي تَبَارَكَ وَتَعَالى في أَحْسَنِ صُورَةٍ فَقَالَ يَا مُحَمّدُ، قُلْتُ لَبَيّكَ رَبّ، قالَ فِيمَ يَخْتَصِمُ المَلأُ الأَعْلَى‏؟‏ قلت‏:‏ لاَ أَدْرِي رَبّ قَالَهَا ثَلاَثاً، قَالَ فَرَأَيْتُهُ وَضَعَ كَفّهُ بَيْنَ كَتِفَيّ‏.‏ قَدْ وَجَدْتُ بَرْدَ أَنَامِلِهِ بَيْنَ ثَدْيَيّ فتجَلّى لِي كُلّ شَيْءٍ وَعَرَفْتُ فَقَالَ يَا مُحَمّدُ‏.‏ قُلْتُ لَبّيْكَ رَبّ، قَالَ فِيمَ يَخْتَصِمُ المَلأُ الأعْلَى‏؟‏ قُلْتُ في الكَفّارَاتِ، قَالَ مَاهُنّ‏؟‏ قُلْتُ مَشْيُ الأقْدَامِ إِلَى الْجَماعَاتِ، وَالْجُلُوسُ في المَسَاجِدِ بَعْدَ الصّلوات، وإِسْبَاغُ الْوُضُوءِ حين المَكْرُوهَاتِ، قَالَ ثُمّ فِيمَ‏؟‏ قلت‏:‏ إِطْعَامُ الطّعَامِ، وَلِينُ الكَلاَمِ، والصّلاَةُ بِاللّيْلِ والنّاسُ نِيَامٌ‏.‏ قَالَ سَلْ، قُلْتُ اللّهُمّ إِنّي أَسْأَلُكَ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ، وَتَرْكَ المُنْكَرَاتِ، وَحُبّ المَسَاكِينِ، وأَنْ تَغْفِرَ لِي وتَرْحَمَنِي، وَإِذَا أَرَدْتَ فِتْنَةً فِي قَوْمٍ فَتَوَفّنِي غَيْرَ مَفْتُونٍ، وأَسْأَلُكَ حُبّكَ وَحُبّ مَنْ يُحِبّكَ وحُبّ عَمَلٍ يُقَرّبُ إلَى حُبّكَ‏.‏ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إِنَهَا حَقّ فادْرُسُوهَا ثُمّ تَعَلّمُوهَا‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏ سَأَلْتُ مُحَمّدَ بنَ إِسْماعِيلَ عَن هَذا الحَدِيثِ فَقَالَ هَذَا حديث حسنٌ صحيحٌ وَقَالَ هَذَا أَصَحّ مِنْ حَدِيثِ الْوَلِيدِ بنِ مُسْلِمٍ عَن عَبْدِ الرّحمَنِ بنِ يَزِيدَ بنِ جَابِرٍ قَالَ حَدّثَنَا خَالِدُ بنُ اللّجْلاَجِ حَدّثَنِي عَبْدُ الرّحمَنِ بنُ عَايِشِ الحَضْرَمِيّ قَالَ سمعت رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ الحَديثَ وَهَذَا غَيْرُ مَحْفُوظٍ‏.‏ هَكَذَا ذَكَرَ الوَلِيدُ في حَدِيثِهِ عَن عَبْدِ الرّحمَنِ بنِ عَائِشٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ وَرَوَى بِشْرُ بنُ بَكْرٍ عَن عَبْدِ الرّحمَنِ بنِ يَزِيدَ بنِ جَابِرٍ هَذَا الحَدِيثَ بِهَذَا الإِسْنَادِ عَن عَبْدِ الرّحمَنِ بن عَائِشٍ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم، وهَذَا أَصَحّ‏.‏ وَعَبْدُ الرحْمَنِ بنُ عَائِش لَمْ يَسْمَعْ مِن النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أبو أحمد‏)‏ هو الزبيري ‏(‏عن يحيى‏)‏ قال في تهذيب التهذيب يحيى بن عمارة ويقال ابن عباد وقيل عبادة كوفي روى عن ابن عباس قصة موت أبي طالب وعنه الأعمش ذكره ابن حبان في الثقات‏.‏ قال الحافظ وجزم بكونه يحيى بن عمارة وكذا البخاري ويعقوب بن شيبة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏مرض أبو طالب فجاءته قريش وجاءه النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ وفي رواية ابن جرير وغيره ‏"‏لما مرض أبو طالب دخل عليه رهط من قريش فيهم أبو جهل فقالوا إن ابن أخيك يشتم آلهتنا ويفعل ويفعل ويقول ويقول فلو بعثت إليه فنهيته فبعث إليه فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فدخل البيت ‏(‏مجلس رجل‏)‏ أي موضع جلوس رجل ‏(‏كي يمنعه‏)‏ أي النبي صلى الله عليه وسلم عن الجلوس فيه، وفي رواية ابن جرير وغيره وبينهم وبين أبي طالب قدر مجلس رجل فخشى أبو جهل لعنه الله إن جلس إلى جنب أبي طالب أن يكون أرق له عليه فوثب فجلس في ذلك المجلس ولم يجد رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلساً قرب عمه فجلس عند الباب ‏(‏وشكوه إلى أبي طالب‏)‏ أي قالوا له إن ابن أخيك يشتم آلهتنا ويفعل ويفعل ويقول ويقول كما في رواية ابن جرير ‏(‏فقال‏)‏ أي أبو طالب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏يا ابن أخي ما تريد من قومك‏)‏ وفي رواية ابن جرير فقال له أبو طالب أي ابن أخي ما بال قومك يشكونك ويزعمون أنك تشتم آلهتهم وتقول وتقول ‏"‏أريد منهم كلمة تدين لهم بها العرب‏"‏ أي تطيعهم وتخضع لهم العرب بتلك الكلمة ‏"‏وتؤدي إليهم العجم الجزية‏"‏ أي تعطيهم العجم الجزية بسبب تلك الكلمة ‏(‏قال‏)‏ أي أبو طالب ‏"‏كلمة واحدة‏"‏ أي تريد كلمة واحدة ‏(‏قال‏)‏ أي النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏كلمة واحدة‏)‏ أي أريد منهم كلمة واحدة ‏(‏فقالوا ‏{‏إلهاً واحداً‏}‏‏)‏ أي أتجعل الاَلهة إلهاً واحداً ‏{‏ما سمعنا بهذا‏}‏ أي بالذي تقوله من التوحيد ‏{‏في الملة الاَخرة‏}‏ وهي ملة النصرانية فإنها آخر الملل قبل ملة الإسلام، كذا قال محمد بن كعب القرظي وقتادة ومقاتل والكلبي والسدي وبه قال ابن عباس، وقال مجاهد يعنون به ملة قريش أي التي أدركنا عليها آباءنا وعن قتادة مثله ‏{‏إن هذا‏}‏ أي ما هذا ‏{‏إلا اختلاق‏}‏ أي كذب اختلقه محمد ‏{‏ص والقرآن ذي الذكر‏}‏ إلخ‏)‏ الاَيات بتمامها مع تفسيرها هكذا ‏{‏ص‏}‏ الله أعلم بمراده به ‏{‏والقرآن ذي الذكر‏}‏ أي والقرآن المشتمل على ما فيه ذكر للعباد ونفع لهم في المعاش والمعاد كقوله تعالى ‏{‏لقد أنزلنا إليكم كتاباً فيه ذكركم‏}‏ أي تذكيركم، وقال ابن عباس رضي الله عنهما ذي الذكر أي ذي الشرف وذي الشأن والمكانة‏.‏ قال ابن كثير‏:‏ ولا منافاة بين القولين فإنه كتاب شريف مشتمل على التذكير انتهى‏.‏ وجواب هذا القسم محذوف أي ليس الأمر كما قال كفار مكة من تعدد الاَلهة ‏{‏بل الذين كفروا في عزة‏}‏ أي حمية وتكبر عن الإيمان ‏{‏وشقاق‏}‏ أي خلاف وعداوة للنبي صلى الله عليه وسلم ‏{‏كم‏}‏ أي كثيراً ‏{‏أهلكنا من قبلهم من قرن‏}‏ أي أمة من الأمم الماضية ‏{‏فنادوا‏}‏ أي بالتوحيد حين تولت الدنيا عنهم، وقيل استغاثوا عند نزول العذاب وحلول النقمة ‏{‏ولات حين مناص‏}‏ أي ليس الحين حين فرار ولات هي لا المشبهة بليس زيدت عليها تاء التأنيث كما زيدت على رب وثم للتوكيد وتغير بذلك حكمها حيث لم تدخل إلى على الأحيان ولم يبرز إلا أحد مقتضييها إما الاسم والخبر وامتنع بروزهما جميعاً وهذا مذهب الخليل وسبيويه، وعند الأخفش أنها لا النافية للجنس زيدت عليها التاء وخصت بنفي الأحيان والجملة حال من فاعل نادوا أي استغاثوا والحال أن لا مهرب لهم ولا منجا ‏{‏وعجبوا أن جاءهم منذر منهم‏}‏ أي رسول من أنفسهم ينذرهم ويخوفهم بالنار بعد البعث وهو النبي صلى الله عليه وسلم ‏{‏وقال الكافرون‏}‏ فيه وضع الظاهر موضع المضمر ‏{‏هذا ساحر كذاب أجعل الاَلهة إلهاً واحداً‏}‏ أي أزعم أن المعبود واحد لا إله إلا هو حيث قال لهم قولوا لا إله إلا الله ‏{‏إن هذا لشيء عجاب‏}‏ أي عجيب ‏{‏وانطلق الملأ منهم‏}‏ أي من مجلس اجتماعهم عند أبي طالب وسماعهم من النبي صلى الله عليه وسلم قولوا لا إله إلا الله ‏{‏أن امشوا‏}‏ أي يقول بعضهم لبعض امشوا وامضوا على ما كنتم عليه ولا تدخلوا في دينه ‏{‏واصبروا على آلهتكم‏}‏ أي اثبتوا على عبادتها ‏{‏إن هذا لشيء يراد‏}‏ أي إن هذا الذي يدعونا إليه محمد صلى الله عليه وسلم من التوحيد لشيء يريد به الشرف عليكم والاستعلاء وأن يكون له منكم ابتاع ولسنا نجيبه إليه ‏{‏ما سمعنا بهذا في الملة الاَخرة إن هذا إلا اختلاق‏}‏ تقدم تفسيره‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد والنسائي والحاكم والبيهقي في الدلائل وابن جرير وابن المنذر‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏وقال‏)‏ أي الأعمش ‏(‏يحيى بن عمارة‏)‏ يحيى بن عمارة هذا هو يحيى ابن عباد المذكور في الإسناد المتقدم قوله‏:‏ ‏"‏أتاني الليلة ربي تبارك وتعالى في أحسن صورة‏"‏ الظاهر أن إتيانه تعالى كان في المنام يدل على ذلك قول الراوي أحسبه في المنام ويدل على ذلك أيضاً حديث معاذ بن جبل الاَتي ففيه ‏"‏فنعست في صلاتي فاستثقلت فإذا أنا بربي تبارك وتعالى في أحسن صورة‏"‏‏.‏ قال القاري في المرقاة‏:‏ إذا كان هذا في المنام فلا إشكال فيه إذ الرائي قد يرى غير المتشكل متشكلاً والمتشكل بغير شكله ثم لم يعد ذلك بخلل في الرؤيا ولا في خلد الرائي بل له أسباب أخر تذكر في علم المنام أي التعبير، ولولا تلك الأسباب لما افتقرت رؤيا الأنبياء عليهم السلام إلى تعبير وإن كان في اليقظة وعليه ظاهر ما روى أحمد بن حنبل فإن فيه ‏"‏فنعست في صلاتي حتى استيقظت فإذا أنا بربي عزّ وجلّ في أحسن صورة‏"‏‏.‏ الحديث، فذهب السلف في أمثال هذا الحديث إذا صح أن يؤمن بظاهره ولا يفسر بما يفسر به صفات الخلق بل ينفي عنه الكيفية ويوكل علم باطنه إلى الله تعالى فإنه يُرى رسوله ما يشاء من رواه أستار الغيب بما لا سبيل لعقولنا إلى إدراكه، لكن ترك التأويل في هذا الزمان مظنة الفتنة في عقائد الناس لفشو اعتقادات الضلال وإن تأول بما يوافق الشرع على وجه الاحتمال لا القطع حتى لا يحمل على ما لا يجوز شرعاً فله وجه، فقوله في أحسن صورة يحتمل أن يكون معناه رأيت ربي حال كوني في أحسن صورة وصفة من غاية إنعامه ولطفه علي‏.‏ أو حال كون الرب في أحسن صورة وصورة الشيء ما يتميز به عن غيره سواء كان عين ذاته أو جزءه المميز له عن غيره أو صفته المميزة، وكما يطلق ذلك في الجثة يطلق في المعاني، يقال في صورة المسألة كذا وصورة الحال كذا، فصورته تعالى والله أعلم ذاته المخصوصة المنزهة عن مماثلة ما عداه من الأشياء البالغة إلى أقصى مراتب الكمال أو صفته المخصوصة به أي كان ربي أحسن إكراماً ولطفاً من وقت آخر، كذا نقله الطيبي والتروبشتي انتهى ما في المرقاة‏.‏

قلت‏:‏ الظاهر الراجح أنه كان في المنام فإن رواية الترمذي الاَتية أرجح من رواية أحمد‏.‏ قال ابن حجر المكي‏:‏ والظاهر أن رواية حتى استيقظت تصحيف فإن المحفوظ من رواية أحمد والترمذي حتى استثقلت انتهى‏.‏ وقال الحافظ ابن كثير بعد نقل هذا الحديث عن مسند الإمام أحمد وهو حديث المنام المشهور‏:‏ ومن جعله يقظة فقد غلط انتهى‏.‏ وعلى تقدير كون ذلك في اليقظة فمذهب السلف في مثل هذا من أحاديث الصفات إمراره كما جاء من غير تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل والإيمان به من غير تأويل له والسكوت عنه وعن أمثاله مع الاعتقاد بأن الله تعالى ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ومذهب السلف هذا هو المتعين ولا حاجة إلى التأويل‏.‏ وأما القول بأن ترك التأويل في هذا الزمان مظنه الفتنة في عقائد الناس لفشوا اعتقادات الضلال فمما لا التفات إليه ‏"‏فم‏"‏ أي في أي شيء ‏"‏يختصم‏"‏ أي يبحث ‏"‏الملأ الأعلى‏"‏ أي الملائكة المقربون والملأ هم الأشراف الذين يملأون المجالس والصدور عظمة وإجلالاً ووصفوا بالأعلى إما لعلو مكانهم وإما لعلو مكانتهم عند الله تعالى‏.‏ واختصامهم إما عبارة عن تبادرهم إلى إثبات تلك الأعمال والصعود بها إلى السماء وإما عن تقاولهم في فضلها وشرفها وإما عن اغتباطهم الناس بتلك الفضائل لاختصاصهم بها وتفضلهم على الملائكة بسببها مع تهافتهم في الشهوات، وإنما سماه مخاصمة لأنه ورد مورد سؤال وجواب وذلك يشبه المخاصمة والمناظرة فلهذا السبب حسن إطلاق لفظ المخاصمة عليه ‏(‏قال‏)‏ أي النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏فوضع‏"‏ أي ربي ‏"‏يده‏"‏ أي كفه ‏"‏بين كتفي‏"‏ بتشديد الياء وهو كناية عن تخصيصه إياه بمزيد الفضل عليه وإيصال الفيض إليه فإن من شأن المتلطف بمن يحنو عليه أن يضع كفه بين كتفيه تنبيهاً على أنه يريد بذلك تكريمه وتأييده قاله القاري قلت‏:‏ قد عرفت مذهب السلف في مثل هذا وهو المعتمد ‏"‏بين ثديي‏"‏ بالتثنية والإضافة إلى ياء المتكلم أي قلبي أو صدري ‏(‏أو قال ‏"‏في نحري‏"‏‏)‏ شك من الراوي ‏"‏نعم الكفارات‏"‏ أي يختصمون في الكفارات ‏"‏والكفارات‏"‏ مبتدأ وخبره المكث في المسجد إلخ وسميت هذه الخصال الكفارات لأنها تكفر الذنوب عن فاعلها فهي من باب تسمية الشيء باسم لازمه ‏"‏المكث‏"‏ في القاموس المكث مثلثاً ويحرك أي اللبث ‏(‏في المسجد‏)‏ وفي بعض النسخ في المساجد ‏"‏وإسباغ الوضوء‏"‏ أي إكماله ‏"‏في المكاره‏"‏ أي في شدة البرد ‏"‏ومن فعل ذلك عاش بخير ومات بخير‏"‏ قال الله تعالى ‏{‏من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون‏}‏ ‏"‏وكان من خطيئته كيوم ولدته أمه‏"‏ أي فيه بفتح يوم قال الطيبي‏؟‏ مبني على الفتح لإضافته إلى الماضي وإذا أضيف إلى المضارع اختلف في بنائه أي كان مبرأ كما كان مبدأ يوم ولدته أمه ‏"‏إذا صليت‏"‏ أي فرغت من الصلاة ‏"‏فعل الخيرات‏"‏ بكسر الفاء وقيل بفتحها وقيل الأول اسم والثاني مصدر والخيرات ما عرف من الشرع من الأقوال الحميدة والأفعال السعيدة ‏"‏وترك المنكرات‏"‏ هي التي لم تعرف من الشرع من الأقوال القبيحة والأفعال السيئة ‏"‏وإذا أردت بعبادك فتنة‏"‏ أي ضلالة أو عقوبة دينوية ‏"‏فاقبضني‏"‏ بكسر الموحدة أي توفني ‏"‏غير مفتون‏"‏ أي غير منال أو غير معاقب ‏(‏قال‏)‏ أي النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏والدرجات‏"‏ مبتدأ أي ما ترفع به الدرجات ‏"‏إفشاء السلام‏"‏ أي بذله على من عرفه ومن لم يعرفه وإنما عدت هذه الأشياء من الدرجات لأنها فضل منه على ما وجب عليه فلا جرم استحق بها فضلاً وهو علو الدرجات ‏"‏والناس نيام‏"‏ جمع نائم والجملة حالية‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثني أبي‏)‏ هو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي ‏(‏عن خالد بن اللجلاج‏)‏ العامري ويقال مولى بني زهرة كنيته أبو إبراهيم الحمصي ويقال الدمشقي صدوق فقيه من الثانية‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏فقلت لبيك‏"‏ من التلبية وهي إجابة المنادي أي إجابني لك يا رب وهو مأخوذ من لب بالمكان وألب إذا أقام به وألب على كذا لم يفارقه ولم يستعمل إلا على لفظ التثنية في معنى التكرير أي إجابة بعد إجابة وهو منصوب على المصدر بعامل لا يظهر كأنك قلت ألب إلباباً بعد إلباب والتلبية من لبيك كالتهليل من لا إله إلا الله ‏"‏ربي‏"‏ بحذف حرف النداء ‏"‏وسعديك‏"‏ أي ساعدت طاعتك مساعدة بعد مساعدة وإسعاداً بعد إسعاد، ولهذا حدثني وهو من المصادر المنصوبة بفعل لا يظهر في الاستعمال‏.‏ قال الجرمي‏:‏ لم يسمع سعديك مفرداً ‏"‏رب‏"‏ بحذف حرف النداء وياء الإضافة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه عبد الرزاق وعبد بن حميد ومحمد بن نصر في كتاب الصلاة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن معاذ بن جبل وعبد الرحمن بن عائش‏)‏ أما حديث معاذ فأخرجه الترمذي بعد هذا، وأما حديث عبد الرحمن بن عائش فأخرجه الدارمي والبغوي في شرح السنة‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد بن بشار إلخ‏)‏ لم يقع هذا الحديث في بعض نسخ الترمذي ‏(‏حدثنا معاذ بن هانئ أبو هانئ السكري‏)‏ القيسي ويقال‏:‏ العيشي، ويقال‏:‏ اليشكري ويقال البهراني البصري ثقة من كبار العاشرة ‏(‏حدثنا جهضم بن عبد الله‏)‏ بن أبي الطفيل القيسي مولاهم اليماني وأصله من خراسان صدوق يكثر عن المجاهيل من الثامنة ‏(‏عن زيد بن سلام‏)‏ بن أبي سلام ممطور الحبشي ‏(‏عن أبي سلام‏)‏ بتشديد اللام اسمه ممطور الأسود الحبشي ‏(‏عن عبد الرحمن بن عائش‏)‏ بتحتانية ومعجمة ‏(‏الحضرمي‏)‏ أو السكسي يقال له صحبه، وقال أبو حاتم من قال في روايته سمعت النبي صلى الله عليه وسلم فقد أخطأ‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏احتبس‏)‏ بصيغة المعلوم وروي مجهولاً ‏(‏ذات غداة‏)‏ لفظ ذات مقحمة أي غداة ‏(‏من صلاة الصبح‏)‏ كذا في النسخ الموجودة وفي رواية أحمد، وفي المشكاة عن صلاة الصبح بلفظ عن‏.‏ قال القاري بدل اشتمال بإعادة الجار ‏(‏حتى كدنا‏)‏ أي قاربنا ‏(‏نتراءى‏)‏ أي نرى وعدل عنه إلى ذلك لما فيه من كثرة الاعتناء بالفعل وسبب تلك الكثرة خوف طلوعها المفوت لأداء الصبح ‏(‏خرج سريعاً‏)‏ أي مسرعاً أو خروجاً سريعاً ‏(‏فثوب بالصلاة‏)‏ من التثويب أي أقيم بها ‏(‏وتجوز في صلاته‏)‏ أي خفف فيها واقتصر على خلاف عادته ‏(‏دعا‏)‏ أي نادى ‏"‏على مصافكم‏"‏ أي أثبتوا عليها جمع مصف وهو موضع الصف ‏"‏كما أنتم‏"‏ أي على ما أنتم عليه أو ثبوتاً مثل الثبوت الذي أنتم عليه قبل النداء من غير تغيير وتقديم وتأخير ‏(‏ثم انفتل إلينا‏)‏ أي توجه إلينا وأقبل علينا ‏"‏أما‏"‏ بالتخفيف للتنبيه ‏"‏ما حبسني‏"‏ ما موصوله ‏"‏فنعست‏"‏ من النعاس وهو النوم الخفيف من باب نصر وفتح ‏"‏فاستثقلت‏"‏ بصيغة المعلوم أو المجهول أي غلب علي النعاس ‏(‏فإذا‏)‏ للمفاجأة ‏"‏قالها ثلاثاً‏"‏ أي قال الله تعالى هذه المقولة ثلاثاً ‏"‏فتجلّى لي‏"‏ أي ظهر وانكشف لي ‏"‏وأسألك حبك‏"‏ قال الطيبي‏:‏ يحتمل أن يكون معناه أسألك حبك إياي أو حبي إياك وعلى هذا يحمل قوله وحب من يحبك ‏"‏إنها‏"‏ أي هذه الرؤيا ‏"‏حق‏"‏ إذ رؤيا الأنبياء وحي ‏"‏فادرسوها‏"‏ أي فاحفظوا ألفاظها التي ذكرتها لكم في ضمنها أو أن هذه الروايات ‏"‏حق فادرسوها‏"‏ أي اقرأوها ‏"‏ثم تعلموها‏"‏ أي معانيها الدالة هي عليها قال الطيبي‏:‏ أي لتعلموها فحذف اللام‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد والطبراني والحاكم ومحمد بن نصر في كتاب الصلاة وابن مردويه‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وهذا غير محفوظ‏)‏ أي كونه من مسند عبد الرحمن بن عايش غير محفوظ والمحفوظ عن عبد الرحمن بن عايش عن مالك بن يخامر عن معاذ بن جبل ‏(‏وروى بشر‏)‏ بكسر الموحدة وسكون المعجمة ‏(‏بن بكر‏)‏ التنيسي البجلي دمشقي الأصل ثقة يغرب من التاسعة ‏(‏عن عبد الرحمن بن عائش عن النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ أي بغير لفظ سمعت ‏(‏وعبد الرحمن بن عايش لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ قال في تهذيب التهذيب في ترجمته وقع عند أبي القاسم البغوي في إسناد حديثه للتصريح بسماعه من النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن قال ابن خزيمة قول الوليد بن مسلم في هذا الإسناد عن عبد الرحمن بن عائش سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وهم لأن عبد الرحمن لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

تنبيه‏:‏

اعلم أن الترمذي أورد حديث ابن عباس وحديث معاذ بن جبل المذكورين ههنا في تفسير قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ما كان لي من علم بالملأ الأعلى إذ يختصمون‏}‏ لكن الاختصام المذكور في هذه الاَية غير الاختصام المذكور في الحديثين المذكورين‏.‏ قال ابن كثير‏:‏ وليس هذا الاختصام ‏(‏يعني المذكور في حديث معاذ بن جبل وحديث ابن عباس‏)‏ هو الاختصام المذكور في القرآن فإن هذا قد فسر وإما الاختصام الذي في القرآن فقد فسر بعد هذا وهو قوله تعالى‏:‏ ‏(‏إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشراً من طين‏)‏ إلخ‏.‏

1845- باب ومن سورة الزمر

مكية إلا ‏{‏قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم‏}‏ الاَية فمدنية وهي خمس وسبعون آية

بسم الله الرحمن الرحيم 3355- حدثنا ابنُ أَبي عُمَرَ، حدثنا سُفْيَانُ عَن مُحمّدِ بنِ عَمْرِو بنِ عَلْقَمَةَ عَنْ يَحْيَى بنِ عَبْدِ الرّحمَنِ بنِ حَاطِبٍ عَنْ عَبْدِ الله بنِ الزّبَيْرِ عَن أَبِيهِ قَالَ‏:‏ لَمّا نَزَلَتْ ‏{‏ثُمّ إِنّكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ عِنْدَ رَبّكُمْ تَخْتَصِمُونَ‏}‏ قَالَ الزّبَيْرُ ‏"‏يَا رَسُولَ الله أتُكَرّرُ عَلَيْنَا الخُصُومَةُ بَعْدَ الّذِي كَانَ بَيْنَنَا في الدّنْيَا‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ، فَقَالَ‏:‏ إِنّ الأمْرَ إذاً لَشَدِيدٌ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏

3356- حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْد، حدثنا حَبّانُ بنُ هِلاَلٍ وسُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ وحَجّاجُ بنُ مِنْهَالٍ قَالُوا، أخبرنا حَمّادُ بنُ سَلَمَةَ عن ثابِتٍ عَنْ شَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ قَالَتْ ‏"‏سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ ‏{‏يَا عِبَادِي الّذِينَ أسْرَفُوا عَلَى أنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ الله إِنّ الله يَغْفِرُ الذّنُوبَ جَمِيعاً‏}‏ ولاَ يُبَالِي‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ غَريبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ حَدِيثٍ ثابِتٍ عَنْ شَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ‏.‏ قال وشهر بن حوشب يروي عن ام سلمة الأنصارية وأم سلمة الأنصارية هي اسماء بنت يزيد‏.‏

3357- حدثنا محمد بن بشار حدثنا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ حدثنا سُفْيَانُ حَدّثنِي مَنْصُورٌ وَسُلَيْمَانُ الأعْمَشُ عَنِ إبْرَاهيِمَ عَنْ عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ الله قَالَ ‏"‏جَاءَ يَهُودِيّ إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فَقالَ‏:‏ يَا مُحمّدُ إِنّ الله يُمْسِكُ السّمَاوَاتِ عَلَى إِصْبعٍ والْجِبَالَ عَلَى إِصْبعٍ والأَرَضَيْن عَلَى إصْبعٍ وَالخَلائِقَ عَلَى إِصْبعٍ ثُمّ يَقُولُ أَنَا المَلِكُ‏.‏ قالَ فَضَحِكَ النبيّ صلى الله عليه وسلم حَتّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ‏.‏ قَالَ ‏{‏وَمَا قَدَرُوا الله حَقّ قَدْرِهِ‏}‏‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏

3358- حدثنا محمد بن بشار، أخبرنا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ، أخبرنا فُضَيْلُ بنُ عِيَاضٍ عَنْ مَنْصُورٍ عَن إِبْرَاهِيمَ عَن عُبَيْدَةَ عَن عَبْدِ الله قَالَ‏:‏ ‏"‏فَضَحِكَ النبيّ صلى الله عليه وسلم تَعَجّباً وتَصْدِيقاً‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏

3359- حدثنا عبدُ الله بنُ عَبْدِ الرْحمَنِ، أخبرنا مُحمّدُ بنُ الصّلْتِ حدثنا أَبُو كُدَيْنَةَ عَن عَطَاءِ بنِ السّائِبِ عَن أَبي الضّحَى عَن ابنِ عبّاسٍ قَالَ‏:‏ ‏"‏مَرّ يَهُودِيّ بالنبيّ صلى الله عليه وسلم فَقالَ لَهُ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ يا يَهُودِيّ حَدّثْنَا‏.‏ فَقَالَ كَيْفَ تَقُولُ يَا أبَا القَاسِمِ إِذَا وضَعَ الله السّمواتِ عَلَى ذِهْ وَالأَرَضيْنَ عَلَى ذِهْ والمَاءَ عَلَى ذِهْ وَالْجِبَالَ عَلَى ذِهْ وَسَائِرَ الخَلْقِ عَلَى ذِهْ‏.‏ وَأَشَارَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحّمدُ بنُ الصّلْتِ بِخِنْصَرِهِ أَوّلاً ثُمّ تَابَعَ حَتّى بَلَغَ الإبْهَامَ، فَأَنْزَلَ الله عَزّ وَجَلّ ‏{‏وَمَا قَدَرُوا الله حَقّ قَدْرِهِ‏}‏‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ غريبٌ صحيحٌ لاَ نَعْرفُهُ من حديث ابن عباس إِلاّ مِنْ هَذَا الوَجْهِ، وَأبُو كُدَيْنَةَ اسْمُهُ يَحْيَى بنُ المُهَلّبِ‏.‏ قال رَأيْتُ مُحَمّدَ بنَ إِسماعِيلَ رَوَى هَذَا الحَدِيثَ عَنِ الحَسَنِ بنِ شُجَاعٍ عَن مُحمّدِ بنِ الصّلْتِ‏.‏

3360- حدثنا سُوَيْدُ بنُ نَصْرٍ، حدثنا عَبْدُ الله بنُ المُبَارَكِ عَن عَنْبَسَةَ بن سَعِيدٍ عَن حَبيبِ بنِ أَبي عَمْرَةَ عَن مُجَاهِدٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابنُ عَبّاس‏:‏ ‏"‏أَتَدْرِي مَا سَعَةُ جَهَنّمَ‏؟‏ قُلْتُ لاَ، قَالَ أَجَلْ وَالله مَا تَدْرِي حَدّثَتْنِي عَائِشَةُ أَنّهَا سَألَتْ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم عَن قَوْلِهِ ‏{‏والأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ القيامَةِ والسّمَاوَاتُ مَطْوِيّاتٌ بِيَمِينِهِ‏}‏‏.‏ قال‏:‏ قُلْتُ فَأيْنَ النّاسُ يَوْمَئِذٍ يَا رَسُولَ الله‏؟‏ قَالَ‏:‏ عَلَى جِسْرِ جَهَنّمَ‏"‏ وَفِي الْحَدِيثِ قِصّةٌ قال‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ غرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ‏.‏

3361- حدثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ‏.‏ حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنِ الشّعْبِيّ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنّهَا قَالَتْ‏:‏ يَا رَسُولَ الله ‏{‏والأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسّمَوَاتُ مَطْوِيّاتٌ بِيَمِيِنِه‏}‏ فَأَيْنَ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَئِذٍ‏؟‏ قَالَ‏:‏ عَلَى الصّرَاطِ يَا عَائِشَةُ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ‏.‏

3362- حدثنا ابنُ أَبي عُمَرَ أخبرنا سفيان عَن مُطْرِفٍ عَن عَطِيّةَ العَوْفِيّ عَن أَبي سَعيِدٍ الخُدْرِيّ قَالَ قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏كَيْفَ أَنْعَمُ وَقَدِ الْتَقَمَ صَاحِبُ القَرْنِ القَرْنَ وَحَنَى جَبْهَتَهُ وَأصْغَى سَمْعَهُ يَنْتَظِرُ أنْ يُؤْمَرَ أنْ يَنْفُخَ فَيَنْفُخَ‏.‏ قَالَ المُسْلِمُونَ فَكَيْفَ نَقُولُ يَا رسُولَ الله‏؟‏ قَالَ‏:‏ قُولُوا‏:‏ حَسْبُنَا الله وَنِعْمَ الوَكِيلُ تَوَكّلْنَا عَلَى الله ربنا‏"‏ وَرُبّمَا قالَ سُفْيَانُ‏:‏ عَلَى الله تَوَكّلْنَا‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ وقد رواه الأعمش أيضاً عن عطية عن أبي سعيد‏.‏

3363- حدثنا أحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ، أخبرنا إِسْمَاعِيلُ بنُ إِبْرَاهِيمَ أخبرنا سُلَيْمَانُ التّيْمِيّ عَن أسْلَمَ العِجْلِيّ عَن بِشْرِ بنِ شَغَافٍ عَنْ عَبْدِ الله بنِ عَمْر رضي الله عنهما قَالَ‏:‏ قَالَ أَعْرَابِيّ يَا رَسُولَ الله مَا الصّورُ‏؟‏ قالَ قَرْنٌ يُنْفَخُ فِيهِ‏"‏ قال هَذا حديثٌ حَسَنٌ إِنّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ التّيْمِيّ‏.‏

3364- حدثنا أبُو كُرَيْبٍ، أخبرنا عَبْدَةُ بنُ سُلَيْمَانَ، أخبرنا مُحمّدُ بنُ عَمْرٍو، أخبرنا أبُو سَلَمَةَ عَن أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ ‏"‏قَالَ يَهُودِيّ في سُوقِ المَدِينَةِ لاَ وَالّذِي اصْطَفَى مُوسَى عَلَى البَشَرِ، قَالَ فَرَفَعَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ يَدَهُ فَصَكّ بِهَا وَجْهَهُ، قَالَ تَقُولُ هذَا وَفِينَا نبيّ صلى الله عليه وسلم‏؟‏ فقالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم ‏{‏وَنُفِخَ في الصّورِ فَصَعِقَ مَنْ في السّمَاوَاتِ وَمَنْ في الأَرْضِ إِلاّ مَنْ شَاءَ الله ثُمّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُون‏}‏ فَأكُونُ أَوّلَ مَنْ رَفَعَ رَأْسَهُ فَإِذَا مُوسَى آخِذٌ بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِم العَرْشِ فَلاَ أَدْرِي أَرَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلِي أَمْ كانَ مِمّنْ اسْتَثْنَى الله‏.‏ وَمَنْ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بنِ مَتّى فَقَدْ كَذَبَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏

3365- حدثنا مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ وَغَيْرُ وَاحِدٍ قَالُوا‏:‏ حدثنا عَبْدُ الرّزّاقِ أخبرنا الثّوْرِيّ، أخبرني أَبُو إسْحَاقَ أَنّ الأَغَرّ أَبَا مُسْلِمٍ حَدّثَهُ عَنْ أبي سَعِيدٍ وأَبي هُرَيْرَةَ عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ ‏"‏يُنَادِي مُنَادٍ‏:‏ إِنّ لَكُمْ أَنْ تَحْيَوْا فَلاَ تَموتُوا أَبَداً، وَإنّ لَكُمْ أَنْ تَصِحّوا فَلاَ تَسْقَمُوا أَبَداً، وَإنّ لكُمْ أَنْ تَشِبّوا فَلاَ تَهْرَمُوا أَبَداً، وَإنّ لَكُمْ أَنْ تَنْعَمُوا فَلاَ تَبأَسُوا أَبَداً، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تعَالَى ‏{‏وَتِلْكَ الجَنّةُ الّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ‏}‏‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وَرَوَى ابنُ المُبَارَكِ وَغَيْرُهُ هَذَا الحَدِيثَ عَن الثّورِيّ وَلَمْ يرفعه‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن يحيى بن عبدالرحمن بن حاطب‏)‏ كنيته أبو محمد أو أبو بكر المدني ثقة من الثالثة‏.‏ قوله‏:‏ ‏{‏ثم إنكم‏}‏ أيها الناس فيما بينكم من المظالم ‏{‏يوم القيامة عند ربكم تختصمون‏}‏ قبله ‏{‏إنك ميت وإنهم ميتون‏}‏ قال الحافظ بن كثير في تفسيره معنى هذه الاَية‏.‏ إنكم ستنقلون من هذه الدار لا محالة وستجتمعون عند الله تعالى في الدار الاَخرة وتختصمون فيما أنتم فيه في الدنيا من التوحيد والشرك بين يدي الله عزّ وجلّ فيفصل بينكم ويفتح بالحق وهو الفتاح العليم، فينجي المؤمنين المخلصين الموحدين ويعذب الكافرين الجاحدين المشركين المكذبين، ثم إن هذه الاَية وإن كان سياقها في المؤمنين والكافرين وذكر الخصومة بينهم في الدار الاَخرة فإنها شاملة لكل متنازعين في الدنيا فإنه تعاد عليهم الخصومة في الدار الاَخرة‏.‏ قلت‏:‏ الأمر كما قال ابن كثير، ويؤيده حديث الزبير هذا وأحاديث أخرى ذكرها ابن كثير والله تعالى أعلم‏.‏ وقيل يعني المحق والمبطل، وقيل تخاصمهم يا محمد وتحتج عليهم بأنك قد بلغتهم وأنذرتهم وهم يخاصمونك، أو يخاصم المؤمن الكافر والظالم المظلوم ‏(‏أتكرر‏)‏ بصيغة المضارع المجهول من التكرير ‏(‏علينا الخصومة‏)‏ أي يوم القيامة عند ربنا‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد وابن ماجه وابن أبي حاتم‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن ثابت‏)‏ هو ابن أسلم البناني ‏{‏يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم‏}‏ أي أفرطوا عليها وتجاوزوا الحد في كل فعل مذموم ‏{‏لا تقنطوا‏}‏ بفتح النون وبكسرها أي لا تيأسوا ‏{‏من رحمة الله‏}‏ أي من مغفرته ‏{‏إن الله يغفر الذنوب جميعاً‏}‏ قال الحافظ ابن كثير‏:‏ هذه الاَية الكريمة دعوة لجميع العصاة من الكفرة وغيرهم إلى التوبة والإنابة وإخبار بأن الله تبارك وتعالى يغفر الذنوب جميعاً لمن تاب منها ورجع عنها‏.‏ وإن كانت مهما كانت وإن كثرت وكانت مثل زبد البحر، ولا يصح حمل هذه على غير توبة لأن الشرك لا يغفر لمن لم يتب منه‏.‏ ثم ذكر حديث ابن عباس رضي الله عنهما‏:‏ ‏"‏أن ناساً من أهل الشرك كانوا قد قتلوا وأكثروا وزنوا وأكثروا فأتوا محمداً صلى الله عليه وسلم فقالوا إن الذي تقول وتدعوة إليه محسن لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة فنزل ‏{‏والذين لا يدعون مع الله إلهاً ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون‏}‏ ونزل ‏{‏قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله‏}‏ أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي ثم قال بعد ذكر أحاديث أخرى ما لفظه‏:‏ فهذه الأحاديث كلها دالة على أن المراد أنه يغفر جميع ذلك مع التوبة‏.‏ ولا يقنطن عبد من رحمة الله وإن عظمت ذنوبه وكثرت فإن باب الرحمة والتوبة واسع انتهى‏.‏ وقال صاحب فتح البيان نقلاً عن القاضي الشوكاني‏:‏ والحق أن الاَية غير مقيدة بالتوبة بل هي على إطلاقها قال والجمع بين هذه الاَية وبين قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء‏}‏ هو أن كل ذنب كائناً ما كان ما عدا الشرك بالله مغفور لمن شاء الله أن يغفر له، على أنه يمكن أن يقال إن إخباره لنا بأنه يغفر الذنوب جميعاً يدل على أنه يشاء غفرانها جميعاً، وذلك يستلزم أنه يشاء المغفرة لكل المذنبين من المسلمين فلم يبق بين الاَيتين تعارض من هذه الحيثية انتهى‏.‏ قلت‏:‏ كل محتمل وما قال ابن كثير هو الظاهر عندي والله تعالى أعلم ‏"‏ولا يبالي‏"‏ أي من أحد فإنه لا يجب على الله، وفي رواية أحمد سمعته صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً ولا يبالي إنه هو الغفور الرحيم‏"‏‏.‏ والظاهر من هاتين الروايتين أن قوله ولا يبالي كان من القرآن، ولذا قال صاحب المدارك تحت هذه الاَية‏:‏ وفي قراءة النبي عليه السلام يغفر الذنوب جميعاً ولا يبالي، وقال القاري‏:‏ وهو يحتمل أنه كان من الاَية فنسخ ويحتمل أن يكون زيادة من عنده عليه الصلاة والسلام كالتفسير للاَية‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه أحمد وابن المنذر والحاكم ‏(‏لا نعرفه إلا من حديث ثابت عن شهر بن حوشب‏)‏ وشهر هذا صدوق كثير الإرسال والأوهام‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن إبراهيم‏)‏ هو النخعي ‏(‏عن عبيدة‏)‏ بفتح العين وكسر الموحدة ابن عمر والسلواني ‏(‏عن عبد الله‏)‏ هو ابن مسعود‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏جاء يهودي‏)‏ وفي رواية للشيخين جاء حبر ‏(‏إن الله يمسك السماوات‏)‏ أي يوم القيامة كما في رواية ‏(‏والخلائق‏)‏ أي من لم يتقدم له ذكر، وفي رواية وسائر الخلق ‏(‏حتى بدت نواجذه‏)‏ جمع بنون وجيم مكسورة ثم ذال معجمة وهو ما يظهر عند الضحك من الأسنان، وقيل هي الأنياب، وقيل الأضراس، وقيل الدواخل من الأضراس التي في أقصى الحلق‏.‏ وفي الرواية الاَتية‏:‏ فضحك النبي صلى الله عليه وسلم تعجباً وتصديقاً‏.‏ وفي رواية للبخاري فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم تعجباً وتصديقاً له، وفي رواية مسلم تعجباً مما قال الحبر تصديقاً له، وفي رواية جرير عنده‏:‏ وتصديقاً له بزيادة واو‏.‏ قال النووي‏:‏ ظاهر الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم صدق الحبر في قوله‏:‏ إن الله تعالى يقبض السموات والأرضين والمخلوقات بالأصابع ثم قرأ الاَية التي فيها الإشارة إلى نحو ما يقول‏.‏ قال القاضي‏:‏ وقال بعض المتكلمين ليس ضحكة صلى الله عليه وسلم وتعجبه وتلاوته الاَية تصديقاً للحبر بل هو رد لقوله وإنكار وتعجب من سوء اعتقاده فإن مذهب اليهود التجسيم ففهم منه ذلك وقوله تصديقاً له إنما هو من كلام الراوي على ما فهم والأول أظهر انتهى‏.‏ وقال الئميمي‏:‏ تكلف الخطابي فيه وأتى في معناه ما لم يأت به السلف والصحابة كانوا أعلم بما رووه وقالوا إنه ضحك تصديقاً له وثبت في السنة الصحيحة‏:‏ ‏"‏ما من قلب إلا وهو بين أصبعين من أصابع الرحمن‏"‏ انتهى، وقد اشتد إنكار ابن خزيمة على من ادعى أن الضحك المذكور كان على سبيل الإنكار‏.‏ فقال بعد أن أورد هذا الحديث في كتاب التوحيد من صحيحه بطريقة‏:‏ قد أجل الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم عن أن يوصف ربه بحضرته بما ليس هو من صفاته فيجعل بدل الإنكار والغضب على الواصف ضحكاً بل لا يوصف النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الوصف من يؤمن بنبوته انتهى‏.‏

قلت‏:‏ قول من قال إن الضحك المذكور كان على سبيل الإنكار لا شك عندي أنه يستأهل أن ينكر عليه أشد الإنكار والله تعالى أعلم ‏{‏قال‏}‏ وفي رواية البخاري في التيسير‏:‏ ثم قرلأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏{‏وما قدروا الله حق قدره‏}‏ أي ما عرفوه حق معرفته، أو ما عظموه حق عظمته حين أشركوا به غيره‏.‏ قال النووي‏:‏ هذا الحديث من أحاديث الصفات وفيها مذهبان‏:‏ التأويل والإمساك عنه مع الإيمان بها مع اعتقاد أن الظاهر منها غير مراد، فعلى قول المتأولين يتأولون الأصابع هنا على الاقتدار أي خلقها مع عظمها بلا تعب ولا ملل، والناس يذكرون الأصبع في مثل هذا للمبالغة والاحتقار فيقول أحدهم بأصبعي أقتل زيداً أي لأكلفه على في قتله، وقيل يحتمل أن المراد أصابع بعض مخلوقاته وهذا غير ممتنع والمقصود أن يد الجارحة مستحيلة انتهى‏.‏

قلت‏:‏ الإمساك عن التأويل وإمرار هذه الأحاديث كما جاءت من غير تكييف ولا تحريف هو مذهب السلف‏.‏ قال القاري في المرقاة هو أسلم‏.‏ قلت‏:‏ بل هو المتعين والله تعالى أعلم‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد والشيخان وصححه النسائي في التفسير‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا محمد بن الصلت‏)‏ بن الحجاج الأسدي أبو جعفر الكوفي الأصم ثقة من كبار العاشرة أخبرنا ‏(‏أبو كدينة‏)‏ بكاف ودال مهملة ونون مصغراً اسمه يحيى بن المهلب البجلي الكوفي صدوق من السابعة ‏(‏عن أبي الضحى‏)‏ اسمه مسلم بن صبيح بالتصغير‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏إذا وضع الله السماوات على ذه‏)‏ وفي رواية أحمد يوم يجعل الله سبحانه وتعالى السماء على ذه وأشار بالسبابة ‏(‏وأشار محمد بن الصلت أبو جعفر بخنصره أولاً ثم تابع حتى بلغ الإبهام‏)‏ قال الحافظ في الفتح بعد نقل رواية الترمذي هذه إلى هذه الزيادة ما لفظه‏:‏ ووقع في مرسل مسروق عند الهروي مرفوعاً نحو هذه الزيادة، قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد ‏(‏عن الحسن بن شجاع‏)‏ بن رجاء البلخي كنيته أبو علي أحد الحفاظ من الحادية عشرة‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن مطرف‏)‏ هو ابن طريف‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏كيف أنعم‏"‏‏)‏ أي أفرح وأتنعم ‏"‏وحنى جبهته‏"‏ أي أمالها وهو كناية عن المبالغة في التوجه لإصغاء السمع وإلقاء الأذن ‏"‏وأصغى سمعه‏"‏ أي أمال أذنه ليسمع أمر الله وإذنه بالنفخ وقد تقدم هذا الحديث مع شرحه في باب الصور من أبواب صفة القيامة‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا إسماعيل بن إبراهيم‏)‏ هو ابن علية‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏قال أعرابي يا رسول الله ما الصور إلخ‏)‏ قد تقدم هذا الحديث أيضاً مع شرحه في الباب المذكور، وأورد الترمذي هذا الحديث والذي قبله ههنا في تفسير قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله‏}‏ إلخ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد بن عمرو‏)‏ بن علقمة بن وقاص الليثي ‏(‏أخبرنا أبو سلمة‏)‏ هو ابن عبدالرحمن‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏قال يهودي في سوق المدينة‏:‏ لا والذي اصطفى موسى على البشر‏)‏ وفي رواية للبخاري وكذا لمسلم‏:‏ بينما يهودي يعرض سلعته أعطى بها شيئاً كرهه فقال لا والذي اصطفى موسى على البشر، وفي رواية لهما استب وجل من المسلمين ورجل من اليهود فقال المسلم والذي اصطفى موسى على العالمين لقسم يقسم به، فقال اليهودي‏:‏ والذي اصطفى موسى على العالمين ‏(‏فصك بها وجه‏)‏ أي لطم وجه اليهودي قال الحافظ‏:‏ وإنما صنع ذلك لما فهمه من عموم لفظ العالمين فدخل فيه محمد صلى الله عليه وسلم، وقد تقرر عند المسلم أن محمداً أفضل فلطم اليهودي عقوبة له على كذبه ‏(‏فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ وفي رواية البخاري ومسلم‏:‏ فذهب اليهودي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ فقال يا أبا القاسم إن لي ذمة وعهداً فما بال فلان لطم وجهي‏؟‏ فقال لم لطمت وجهه‏.‏ وفي رواية إبراهيم بن سعد فدعا النبي صلى الله عليه وسلم المسلم فسأله عن ذلك فأخبره ‏{‏ونفخ في الصور‏}‏ أي النفخة الأولى ‏{‏فصعق‏}‏ أي مات ثم ‏{‏نفخ فيه‏}‏ أي في الصور ‏{‏أخرى‏}‏ أي مرة أخرى وهي النفخة الثانية ‏{‏فإذا هم‏}‏ أي جميع الخلائق الموتى ‏{‏قيام‏}‏ أي من قبورهم ‏{‏ينظرون‏}‏ أي ينتظرون ما يفعل بهم ‏"‏فأكون أول من رفع رأسه‏"‏ وفي رواية الشيخين فأكون أول من يفيق، وفي لفظ أول من تنشق عنه الأرض ‏"‏فلا أدري أرفع رأسه قبلي أم كان ممن استثنى الله‏"‏ وفي رواية الشيخين‏:‏ فلا أدري وكان فيمن صعق فأفاق قبلي أو كان ممن استثنى الله‏.‏ قال الحافظ أي فلم يكن ممن صعق، أن فإن كان أفاق قبلي فهي فضيلة ظاهرة وإن كان ممن استثنى الله فلم يصعق فهي فضيلة أيضاً‏.‏ ووقع في حديث أبي سعيد‏:‏ ‏"‏فلا أدري كان فيمن صعق أي فأفاق قبلي أم حوسب بصعقته الأولى التي صعقها لما سأل الرؤية، وبين ذلك ابن الفضل في روايته بلفظ‏:‏ ‏"‏أحوسب بصعقته يوم الطور، والجمع بينه وبين قوله أو كان ممن استثنى الله أن في رواية ابن الفضل وحديث أبي سعيد بيان السبب في استثنائه وهو أنه حوسب بصعقته يوم الطور فلم يكلف بصعقة أخرى، والمراد بقوله‏:‏ ممن استثنى الله قوله إلا من شاء الله انتهى كلام الحافظ‏.‏

قال النووي في شرح مسلم‏:‏ قال القاضي هذا من أشكل الأحاديث لأن موسى قد مات فكيف تدركه الصعقة وإنما تصعق الأحياء، وقوله‏:‏ ممن استثنى الله تعالى يدل على أنه كان حياً ولم يأت أن موسى رجع إلى الحياة ولا أنه حي كما جاء في عيسى، وقد قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لو كنت ثم لأريتكم قبره إلى جانب الطريق‏"‏‏.‏ قال القاضي فيحتمل أن هذه الصعقة صعقة فزع بعد البعث حين تنشق السماوات والأرض فتنتظم حينئذٍ الاَيات والأحاديث، ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ فأفاق لأنه إنما أفاق من الغشى، وأما الموت فيقال بعث منه وصعقه الطور لم تكن موتاً وأما قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏فلا أدري أفاق قبلي‏"‏ فيحتمل أنه صلى الله عليه وسلم قاله قبل أن يعلم أنه أول من تنشق عنه الأرض إن كان هذا اللفظ على ظاهره وأن نبينا صلى الله عليه وسلم أول شخص من تنشق عنه الأرض على الإطلاق‏.‏ قال ويجوز أن يكون معناه أنه من الزمرة الذين هم أول من تنشق عنهم الأرض فيكون موسى من تلك الزمرة وهي والله أعلم زمرة الأنبياء وصلوات الله وسلامه عليهم انتهى‏.‏

قلت‏:‏ هاهنا أبحاث وأنظار ذكرها الحافظ وغيره من شراح البخاري ومسلم ‏"‏ومن قال أنا خير من يونس بن متى‏"‏ بفتح الميم وتشديد المثناة مقصوراً، ووقع في تفسير عبد الرزاق أن متى اسم أمه وهو مردود بحديث ابن عباس عند البخاري ومسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ما ينبغي لعبد أن يقول إني خبر من يونس بن متى‏"‏ ونسبه إلى أبيه، فقوله ونسبه إلى أبيه صريح في أن متى أبوه لا أمه ‏"‏فقد كذب‏"‏ لأن الأنبياء كلهم متساوون في مرتبة النبوة وإنما التفاضل باعتبار الدرجات، فلفظ أنا واقع‏.‏ موقع هو ويكون راجعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن يكون المراد به نفس القائل فحينئذٍ كذب بمعنى كفر كنى به عن الكفر لأن هذا الكذب مساوٍ للكفر‏.‏ كذا في المرقاة‏.‏ وقال النووي‏:‏ الضمير في أنا قيل يعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقيل يعود إلى القائل أي لا يقول ذلك بعض الجاهلين من المجتهدين في عبادة أو علم أو غير ذلك من الفضائل‏.‏ فإنه لو بلغ من الفضائل ما بلغ لم يبلغ درجة لنبوة، ويؤيد هذا التأويل الرواية التي قبله وهي قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لا ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متى‏"‏ انتهى‏.‏ قلت‏:‏ ضمير ‏"‏أنا‏"‏ إذا عاد إلى النبي صلى الله عليه وسلم فالظاهر أنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك قبل أن يعلم أنه أفضل الخلق، وأما قول من قال إنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك تواضعاً إن كان قاله بعد أن اعلم أنه أفضل الخلق ففيه أنه لا يناسبه قوله ‏"‏فقد كذب‏"‏ كما في رواية الترمذي هذه‏.‏ قيل خص يونس بالذكر لأن الله تعالى وصفه بأوصاف توهم انحطاط رتبته حيث قال ‏{‏فظن أن لن نقدر عليه‏}‏ ‏{‏إذ أبق إلى الفلك المشحون‏}‏‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا أبو إسحاق‏)‏ هو السبيعي‏.‏ قوله‏:‏ ‏"‏ينادي مناد‏"‏ أي في الجنة ‏"‏إن لكم‏"‏ بكسر الهمزة أي قائلاً إن لكم ‏"‏أن تحيوا‏"‏ بفتح الياء أي أن تكونوا أحياء دائماً ‏"‏أن تصحوا‏"‏ بكسر الصاد وتشديد الحاء أي تكونوا صحيحي البدن دائماً ‏"‏فلا تسقموا‏"‏ من باب سمع أي لا تمرضوا ‏"‏أن تشبوا‏"‏ بكسر الشين المعجمة وتشديد الموحدة أي تدوموا شباباً ‏"‏فلا تهرموا‏"‏ من باب سمع أي لا تشيبوا ‏"‏أن تنعموا‏"‏ بفتح العين أي يدوم لكم النعيم ‏"‏فلا تبأسوا‏"‏ بسكون الموحدة فالهمزة المفتوحة أي لا يصيبكم بأس وهو شدة الحال‏.‏ والبأس والبؤس والبأساء والبؤسى بمعنى قاله النووي‏.‏ وقال في القاموس‏:‏ بئس كسمع اشتدت حاجته ‏{‏وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون‏}‏ وفي رواية مسلم ‏{‏ونودوا أن تلكم الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون‏}‏ الاَية في سورة الأعراف، وأما الاَية التي في الكتاب فهي في سورة الزخرف، وكان للترمذي أو يورد هذا الحديث في تفسير سورة الأعراف أو في تفسير سورة الزخرف‏.‏ وهذا الحديث أخرجه أيضاً مسلم في صحيحه مرفوعاً‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن عنبسة بن سعيد‏)‏ بن الضريس بضاد معجمة مصغراً الأسدي أبي بكر الكوفي قاضي الري ثقة من الثامنة‏.‏ قوله‏:‏ ‏{‏والأرض جميعاً‏}‏ حال أي السبع ‏{‏قبضته‏}‏ أي مقبوضته وفي ملكه وتصرفه يتصرف فيه كيف يشاء ‏{‏يوم القيامة والسماوات مطويات‏}‏ أي مجموعات ‏{‏بيمينه‏}‏ وبعده ‏{‏سبحانه وتعالى عما يشركون‏}‏ أي بنسبة الولد والشريك إليه ‏(‏قال ‏"‏على جسر جهنم‏"‏‏)‏ وقد روى الترمذي في تفسير سورة إبراهيم من طريق مسروق‏:‏ قال قالت عائشة هذه الاَية ‏{‏يوم تبدل الأرض غير الأرض‏}‏ قالت‏:‏ يا رسول الله فأين يكون الناس قال ‏"‏على الصراط‏"‏‏.‏ ووقع في حديث ثوبان عند مسلم‏:‏ ‏"‏يكونون في الظلمة دون الجسر‏"‏‏.‏ وقد تقدم هناك وجه الجمع ‏(‏وفي الحديث قصة‏)‏ لم أقف على من أخرج هذا الحديث مع القصة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح غريب‏)‏ وأخرجه أحمد وابن جرير‏.‏

1846- باب ومن سورة المؤمن

وتسمى سورة غافر مكية إلا ‏{‏الذين يجادلون في آيات الله‏}‏ والتي بعدها وهي خمس وثمانون آية

بسم الله الرحمن الرحيم 3366- حدثنا محمد بن بشار، حدثنا عَبْدُ الرحمَنِ بنُ مَهْدِيّ، حدثنا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ وَالأعْمَشُ عَن ذَرّ عَن يُسَيْع الْحَضْرمِيّ عَن النّعْمانِ بنِ بَشِيرٍ قال سَمِعْتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ ‏"‏الدّعاءُ هُوَ العِبَادَةُ، ثُمّ قالَ‏:‏ ‏{‏وَقَال رَبّكُمُ ادْعُونِي أسْتَجِبْ لَكُمْ إنّ الّذِينَ يَسْتكْبِرونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنّمَ دَاخِرِينَ‏}‏‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏{‏الدعاء هو العبادة‏}‏ تقدم هذا الحديث في تفسير سورة البقرة وتقدم هناك شيء من شرحه ويأتي في أوائل أبواب الدعوات مع بقية الكلام عليه‏.‏

1847- باب ومن سورة حم السجدة

وتسمى سورة فصلت وهي مكية وهي ثلاث وخمسون آية

بسم الله الرحمن الرحيم 3367- حدثنا ابنُ أبِي عُمَرَ، أخبرنا سُفيَانُ عَن مَنْصُورٍ عَن مُجَاهِدٍ عَن أبِي مَعْمَرٍ عَنِ ابنِ مَسْعُودٍ قَالَ‏:‏ ‏"‏اخْتَصَمَ عِنْدَ البَيْتِ ثَلاَثَةُ نَفَرٍ قُرَشِيّانِ وثَقَفِيّ أوْ ثَقَفِيّانِ وَقُرَشِيّ قَلِيلٌ فِقْهُ قُلُوبِهم، كَثِير شَحْمُ بُطُونِهُمْ، فقَالَ أحَدُهُمْ‏:‏ أتَرَوْنَ أن الله يَسْمَعُ مَا نَقُولُ‏؟‏ فَقَالَ الاَخَرُ‏:‏ يَسْمَعُ إِنْ جَهَرْنَا وَلاَ يَسْمَعُ إِنْ أخْفَيْنَا، وقَالَ الاَخرُ‏:‏ إِنْ كَانَ يَسْمَعُ إِذَا جَهَرْنَا فَهُوَ يَسْمَعُ إِذَا أخْفَيْنَا‏.‏ فَأَنْزَلَ الله عَزّ وَجَلّ ‏{‏وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أبْصَارُكُمْ ولا جلودكم‏}‏‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏

3368- حدثنا هَنّادٌ، حدثنا أبو مُعَاويَةُ عَن الأَعْمَشِ عَن عُمَارَةَ بنِ عُمَيْرٍ عَن عَبْدِ الرّحْمنِ بنِ يَزِيدَ قَال قَالَ عَبْدُ الله‏:‏ ‏"‏كُنْتُ مُسْتَتِراً بِأسْتَارِ الكَعْبَةِ فَجَاءَ ثَلاثَةُ نَفَرٍ كَثِيرٌ شحم بُطُونِهمْ، قَلِيلٌ فِقْهُ قُلُوبِهِم، قُرَشِيّ وَخَتَنَاهُ ثَقَفِيّانِ أَو ثَقَفِيّ وَخَتَنَاهُ قُرَشِيّانِ فَتَكَلّمُوا بِكَلاَمٍ لَمْ أَفْهَمْهُ، فَقَال أَحَدُهُم‏:‏ أَتَرَوْنَ أَنّ الله يَسْمَعُ كلامَنَا هَذَا‏؟‏ فَقَال الاَخَرُ إنّا إِذَا رَفَعْنَا أَصْوَاتَنَا سَمِعَهُ وَإِذَا لَمْ نَرْفَعْ أصْوَاتَنَا لَمْ يَسْمَعْهُ، فَقالَ الاَخَرُ إنْ سَمِعَ مِنْهُ شَيْئاً سَمِعَهُ كُلّهُ‏.‏ فَقَالَ عَبْدُ الله فَذَكَرْتُ ذَلِكَ للنبيّ صلى الله عليه وسلم فَأَنْزَلَ الله ‏{‏وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أبْصَارُكُمْ ولاَ جلُودُكُمْ‏}‏ إِلَى قَوْلِه- ‏{‏فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الخَاسِرِينَ‏}‏‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏

3369- حدثنا مَحمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، أخبرنا وَكِيعٌ، أخبرنا سُفْيَان عَنِ الأَعمَشِ عَن عُمَارَةَ بنِ عُمَيْرٍ، عَن وَهْبِ بنِ رَبِيعَةَ عَنْ عَبْدِ الله نَحْوَهُ‏.‏

3370- حدثنا أبُو حَفْصٍ عَمْرُو بنُ عَلِيّ الفَلاّسُ، حَدّثنا أبو قُتَيْبَةَ مسلمُ بنُ قُتَيْبَةَ، أخبرنا سهلُ بنُ أبي حَزْمٍ القطيعي أخبرنا ثَابِتٌ البُنَانِيّ عَن أنَسِ بنِ مَالِكٍ ‏"‏أنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَرَأَ ‏{‏إِنّ الّذِينَ قَالُوا رَبّنَا الله ثُمّ اسْتَقَامُوا‏}‏ قالَ‏:‏ قَدْ قَالَ النّاسُ ثُمّ كَفَرَ أكْثَرُهُمْ فَمَنْ مَاتَ عَلَيْهَا فَهُوَ مِمّنْ اسْتَقَامَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حسن غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إلاّ مِنْ هَذا الوَجْهِ سَمِعْتُ أبَا زُرْعَةَ يَقُولُ رَوَى عَفّانُ عَن عَمْرِو بن عَليّ حَدِيثاً‏.‏ ويروى في هذه الاَية عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما معنى استقاموا‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي معمر‏)‏ اسمه عبدالله بن سخبرة الأزدي ‏(‏اختصم عند البيت‏)‏ أي الكعبة ‏(‏قرشيان وثقفي أو ثقفيان وقرشي‏)‏ الشك من أبي معمر كما يظهر من كلام الحافظ وقد أخرجه عبد الرزاق من طريق وهب بن ربيعة عن ابن مسعود بلفظ ثقفي وختناه قرشيان ولم يشك‏.‏

وأخرج مسلم من طريق وهب هذه ولم يسق لفظها ‏(‏قليل‏)‏ بالتنوين خبر مقدم لقوله‏:‏ ‏(‏فقه قلوبهم‏)‏ بإضافة فقه إلى قلوبهم وقيل بإضافة قليل إلى فقه، وقلوبهم بالرفع على أنه المبتدأ أي قلوبهم قليلة الفقه‏.‏ وكذلك قوله‏:‏ ‏(‏كثير شحم بطونهم‏)‏‏.‏ وفيه إشارة إلى أن الفطنة قلما تكون مع البطنة‏.‏ قال الشافعي‏:‏ ما رأيت سميناً عاقلاً إلا محمد بن الحسن ‏(‏أترون‏)‏ بضم الفوقية أي أتظنون ‏(‏إن كان يسمع إذا جهرنا فهو يسمع إذا أخفينا‏)‏ وجه الملازمة فيما قال أن نسبة جميع المسموعات إلى الله على السواء وأبطل القياس الفاسد في تشبيهه بالخلق في سماع الجهر دون السر وأثبت القياس الصحيح حيث شبه السر بالجهر لعلة أن الكل إليه سواء‏.‏ وإنما جعل قائله من جملة قليل الفهم لأنه لم يقطع به وشك فيه ‏{‏وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم‏}‏ وبعده ‏{‏ولا جلودكم‏}‏ أي أنكم تستترون والحيطان والحجب عند ارتكاب الفواحش وما كان استتاركم ذلك خيفة أن يشهد عليكم جوارحكم لأنكم كنتم غير عالمين بشهادتها عليكم بل كنتم جاحدين بالبعث والجزاء أصلاً ولكنكم ظننتم أن الله لا يعلم كثيراً مما كنتم تعملون أي ولكنكم إنما استترتم لظنكم أن الله لا يعلم كثيراً مما كنتم تعملون وهو الخفيات من أَعمالكم ‏{‏وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم‏}‏ أي وذلك الظن هو الذين أهلككم، وذلكم مبتدأ وظنكم خبر، والذي ظننتم بربكم صفته وأرداكم خبر ثان، أو ظنكم بدل من ذلكم وأراداكم الخبر ‏{‏فأصبحتم من الخاسرين‏}‏ أي في مواقف القيامة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الرحمن بن يزيد‏)‏ بن قيس النخعي ‏(‏قال عبد الله‏)‏ بن مسعود قوله‏:‏ ‏(‏قرشي وختناه‏)‏ تثنية ختن محركة وهو الصهر أو كل ما كان من قبل المرأة كالأب والأخ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ وأخرجه أحمد‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏عن وهب بن ربيعة‏)‏ الكوفي قال في تهذيب التهذيب في ترجمته‏:‏ روي عن ابن مسعود حديث‏:‏ إني لمستتر بأستار الكعبة وعنه عمارة بن عمير، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب‏:‏ مقبول من الثالثة انتهى ‏(‏عن عبد الله نحوه‏)‏ أخرجه أيضاً أحمد ومسلم‏.‏

- قوله‏:‏ ‏{‏إن الذين قالوا ربنا الله‏}‏ وحده لا شريك له ‏{‏ثم استقاموا‏}‏ أي داموا أو ثبتوا على التوحيد ولم يلتفتوا إلى إله غير الله‏.‏ قال جماعة من الصحابة والتابعين معنى الاستقامة إخلاص العمل لله تعالى‏.‏ وقال قتادة وابن زيد‏:‏ ثم استقاموا على طاعة الله‏.‏ وقال الحسن استقاموا على أمر الله فعملوا بطاعته واجتنبوا معاصيه‏.‏ وقال ابن عباس ومجاهد وعكرمة استقاموا على شهادة أن لا إله إلا الله حتى ماتوا، وقيل غير ذلك‏.‏ قلت‏:‏ قول ابن عباس ومن تبعه هو الظاهر الموافق لحديث أنس الذي نحن في شرحه ‏(‏قد قال الناس‏)‏ وفي رواية أبي يعلى‏:‏ قد قالها أناس ‏(‏ثم كفر أكثرهم‏)‏ يعني فليس هؤلاء الكفرة ممن استقاموا‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ وأخرجه النسائي في التفسير وأبو يعلى والبزار وابن جرير‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏سمعت أبا زرعة يقول روى عفان عن عمرو بن علي حديثاً‏)‏ عفان هذا هو عفان بن مسلم‏.‏ وهو من شيوخ عمرو بن علي الفلاس، وروى هو عنه حديثاً واحداً، كما أن البخاري من شيوخ الترمذي وروي عنه حديثين كما عرفت في المقدمة‏.‏

1848- باب ومن سورة الشورى حم عسق

وفي بعض النسخ سورة حم عسق وهي مكية وهي ثلاث وخسمون آية

بسم الله الرحمن الرحيم 3371- حدثنا بندار، حدثنا مُحمّدُ بنُ جَعْفَرٍ، حدثنا شُعْبَةُ عَن عَبْدِ المَلِكِ بنِ مَيْسَرَةَ قَالَ سَمِعْتُ طَاؤُساً قَالَ‏:‏ ‏"‏سُئِلَ ابنُ عَبّاسٍ عَن هَذِهِ الاَيَةِ ‏{‏قُلْ لاَ أسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إلاّ المَوَدّةَ في القُرْبَى‏}‏ فَقالَ سَعيدُ بنُ جُبَيْرٍ قُرْبَى آلِ مُحمدٍ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ ابنُ عَبّاسٍ أعَجلتَ إنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ بَطْنٌ مِنْ قُرَيْشٍ إلاّ كَانَ لَهُ فِيهِمْ قَرَابَةٌ فَقَالَ‏:‏ إلاّ أنْ تَصِلُوا مَا بَيْنِي وبَيْنَكُمْ مِنَ القَرَابَةِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ وقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنِ ابنِ عَبّاسٍ‏.‏

3372- حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، أخبرنا عَمْرُو بنُ عَاصِمٍ، أخبرنا عُبَيْدُ الله بنُ الوَزّاعِ قَالَ حدثني شَيْخٌ مِنْ بَنِي مُرّةَ قَالَ‏:‏ ‏"‏قَدِمْتُ الكُوفَةَ فَأُخْبِرْتُ عَنِ بِلاَلِ بنِ أبي بُرْدَةَ فَقُلْتُ إنّ فِيهِ لَمُعْتَبَراً فَأَتَيْتُه وَهُوَ مَحْبُوسٌ في دَارِهِ الّتِي قَدْ كَانَ بَنَى، قَالَ وإذَا كُلّ شَيءٍ مِنْه قَدْ تَغَيّرَ مِنَ العَذَابِ وَالضّرْبِ وإذَا هُوَ في قُشَاشٍ، فَقُلْتُ الْحَمْدُ لله يَا بِلالُ لَقَدْ رَأيْتُكَ وَأنْتَ تَمُرّ بِنَا وَتُمْسِكُ بَأَنْفِكَ مِنْ غَيْرِ غُبَارٍ وَأَنْتَ في حَالِكَ هَذِهِ اليَوْمَ‏.‏ فَقَالَ مِمّنْ أَنْتَ‏؟‏ فَقُلْتُ مِنْ بَنِي مُرّةَ بنِ عَبّادٍ‏.‏ فَقَالَ أَلاَ أُحَدّثُكَ حَدِيثاً عَسَى الله أَنْ يَنْفَعَكَ بِهِ‏؟‏ قُلْتُ هَاتِ، قَالَ حَدّثني أَبي أَبُو بُرْدَةَ عَن أبيِه أَبي مُوسَى أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ لاَ تُصِيبُ عَبْداً نَكْبَةٌ فَمَا فَوْقَهَا أَوْ دُونَهَا إِلاّ بِذَنْبٍ وَمَا يَعْفُو الله عَنْهُ أَكْثَرُ‏.‏ قَالَ وَقَرَأَ ‏{‏وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ويَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ‏}‏‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن عبدالملك بن ميسرة‏)‏ الهلالي أبي زيد العامري الكوفي الزراد ثقة من الرابعة ‏{‏قل لا أسألكم عليه‏}‏ أي على تبليغ الرسالة ‏{‏أجراً إلا المودة في القربى‏}‏ أي مظروفة فيها بحيث تكون القربى موضعاً للمودة وظرفاً لها لا يخرج شيء من محبتكم عنها والاستثناء متصل أي إلا أن تودوني لقرابتي بينكم أو تودوا أهل قرابتي، ويجوز أن يكون منقطعاً‏.‏ قال الزجاج‏:‏ إلا المودة استثناء ليس من الأول أي إلا أن تودوني لقرابتي فتحفظوني والخطاب لقريش، وهذا قول عكرمة ومجاهد وأبي مالك والشعبي فيكون المعنى على الانقطاع لا أسألكم أجراً قط ولكن أسألكم المودة في القربى التي بيني وبينكم ارقبوني فيها ولا تعجلوا إليّ ودعوني والناس، وبه قال قتادة ومقاتل والسدي والضحاك وابن زيد وغيرهم وهو الثابت عن ابن عباس ‏(‏فقال سعيد بن جبير قربى آل محمد‏)‏ قال الحافظ‏:‏ هذا الذي جزم به سعيد بن جبير قد جاء عنه من روايته عن ابن عباس مرفوعاً فأخرج الطبري وابن أبي حاتم من طريق قيس بن الربيع عن الأعمش عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال‏:‏ لما نزلت قالوا يا رسول الله من قرابتك الذين وجبت علينا مودتهم الحديث وإسناده ضعيف وهو ساقط لمخالفته هذا الحديث الصحيح يعني حديث ابن عباس هذا الذي نحن في شرحه ‏(‏فقال ابن عباس أعلمت‏)‏ بهمزة الاستفهام للإنكار، وفي رواية البخاري‏:‏ فقال ابن عباس‏:‏ عجلت‏.‏ قال الحافظ أي أسرعت في التفسير ‏(‏إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن بطن من قريش‏)‏ البطن ما دون القبيلة وفوق الفخذ ‏(‏له‏)‏ أي للنبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏قال إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة‏"‏ فحمل الاَية على أن توادوا النبي صلى الله عليه وسلم من أجل القرابة التي بينه وبينكم فهو خاص بقريش، ويؤيده أن السورة مكية، وأما حديث ابن عباس أيضاً عند ابن أبي حاتم قال‏:‏ لما نزلت هذه الاَية ‏{‏قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى‏}‏ قالوا يا رسول الله من هؤلاء الذين أمر الله بمودتهم‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏فاطمة وولدها عليهم السلام‏"‏‏.‏ فقال ابن كثير إسناده ضعيف فيه منهم لا يعرف إلا عن شيخ شيعي مخترق وهو حسين الأشقر ولا يقبل خبره في هذا المحل‏.‏ والاَية مكية ولم يكن إذ ذاك لفاطمة أولاد بالكلية فإنها لم تزوج بعلي إلا بعد بدر من السنة الثانية من الهجرة، وتفسير الاَية بما فسر به حبر الأمة وترجمان القرآن ابن عباس أحق وأولى ولا ننكر الوصاة بأهل البيت واحترامهم وإكرامهم إذ هم من الذرية الطاهرة التي هي أشرف بيت وجد على وجه الأرض فخراً وحسباً ونسباً ولا سيما إذا كانوا متبعين للسنة الصحيحة كما كان عليه سلفهم كالعباس وبنيه وعلي وآل بيته وذريته رضي الله عنهم ونفعنا بمحبتهم، قاله القسطلاني‏.‏ وقال الحسين بن الفضل ورواه ابن جرير عن الضحاك أن هذه الاَية منسوخة والقول بنسخ هذه الاَية غير مرضي لأن مودة النبي صلى الله عليه وسلم وكف الأذى عنه ومودة أقاربه من فرائض الدين وهو قول السلف فلا يجوز المسير إلى نسخ هذه الاَية‏.‏ وروى أحمد في مسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏قل لا أسألكم على ما آتيتكم من البينات والهدى أجراً إلا أن توادوا الله تعالى وأن تقربوا إليه بطاعته‏"‏، وهكذا روى قتادة عن الحسن البصري مثله‏.‏ قال الحافظ ابن كثير وهذا كأنه تفسير بقول ثانٍ كأنه يقول ‏"‏إلا المودة في القربى‏"‏ أي ‏"‏إلا أن تعملوا بالطاعة التي تقربكم عند الله زلفى‏"‏ انتهى‏.‏ والحاصل أن معنى الاَية‏.‏ قل يا محمد لهؤلاء المشركين من كفار قريش لا أسألكم على هذا البلاغ والنصح لكم ما لا تعطونيه وإنما أطلب منكم أن تكفوا شركم عني وتذروني أبلغ رسالات ربي إن لم تنصروني فلا تؤذوني لما بيني وبينكم من القرابة، وهذا هو الصحيح في معنى هذه الاَية‏.‏ ويدل على ذلك حديث ابن عباس هذا الذي نحن في شرحه، وأما الأقوال الباقية فمرجوحة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد والبخاري‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا عمرو بن عاصم‏)‏ بن عبيدالله بن الوازع الكلابي القيسي ‏(‏أخبرنا عبيد الله بن الوازع‏)‏ الكلابي البصري مجهول من السابعة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏فأخبرت‏)‏ بصيغة المجهول ‏(‏عن بلال بن أبي بردة‏)‏ بن أبي موسى الأشعري قاضي البصرة كان ظلوماً‏.‏ وذكره أبو العرب الصقلي في كتاب الضعفاء وذكره ابن حبان في الثقات كذا في الخلاصة وتهذيب التهذيب ‏(‏فقلت إن فيه‏)‏ أي في بلال بن أبي بردة ‏(‏لمعتبراً‏)‏ أي عبرة وذلك لأنه كان قاضياً والاَن هو محبوس ‏(‏قال‏)‏ أي شيخ بني مرة المذكور ‏(‏وإذا‏)‏ للمفاجأة ‏(‏منه‏)‏ أي من بلال بن أبي بردة ‏(‏في قشاش‏)‏ قال في القاموس‏:‏ القشيش كأمير اللقاطة كالقشاش بالضم وقال فيه اللقاطة بالضم ما كان ساقطاً مما لا قيمة له ‏(‏تمسك بأنفك‏)‏ أي تكبراً ‏(‏هات‏)‏ بكسر التاء أي أعط وحدثني بذلك الحديث ‏(‏حدثني أبي أبو بردة‏)‏ أبو بردة مرفوع على أنه بدل من أبي ‏(‏أبي موسى‏)‏ بالجر بدل من أبيه ‏"‏نكبة‏"‏ أي محنة وأذى والتنوين للتقليل لا للجنس ليصح ترتب ما بعدها عليها بالفاءب وهو ‏"‏فما فوقها‏"‏ أي في العظم ‏"‏أو دونها‏"‏ أي في المقدار ‏"‏إلا بذنب‏"‏ أي يصدر من العبد ‏"‏وما يعفو الله‏"‏ ما موصولة أي الذي يغفره ويمحوه ‏"‏أكثر‏"‏ أي مما يجازيه ‏(‏قال‏)‏ أي أبو موسى ‏(‏وقرأ‏)‏ أي النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏وما أصابكم‏)‏ خطاب للمؤمنين ‏{‏من مصيبة أي بلية وشدة ‏(‏فيما كسبت أيديكم‏}‏ أي كسبتم من الذنوب، وعبر بالأيدي لأن أكثر الأفعال تزاول بها ‏{‏ويعفو عن كثير‏}‏ أي من الذنوب فلا يجازي عليه وهو تعالى أكرم من أن يثنى الجزاء في الاَخرة، وأما غير المذنبين فما يصيبهم في الدنيا لرفع درجاتهم في الاَخرة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ في سنده مجهولان كما عرفت‏.‏

1849- باب ومن سورة الزخرف

مكية وهي تسع وثمانون آية

بسم الله الرحمن الرحيم 3373- حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، حدثنا مُحمّدُ بنُ بِشْرٍ العَبدِي ويَعْلَى بنُ عُبَيْدٍ عَن حَجّاجِ بنِ دِينَارٍ عَنْ أَبي غَالِبٍ عَن أبي أُمَامَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏مَا ضَلّ قَوْمٌ بَعْدَ هُدًى كَانُوا عَلَيْهِ إِلاّ أُوتُوا الْجَدَلَ، ثُمّ تَلاَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم هَذِهِ الاَيَةَ‏:‏ ‏{‏مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ‏}‏‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ إِنّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ حَجّاجِ بنِ دِينَارٍ، وحَجّاجٌ ثِقَةٌ مُقَارِبُ الحَدِيثِ وأبُو غَالِبٍ اسْمُهُ حَزَوّرُ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏"‏كانوا عليه‏"‏ أي على الهدى ‏"‏إلا أوتوا الجدل‏"‏ أي أعطوه وهو حال وقد مقدرة والمستثنى منه أعم عام الأحوال وصاحبها الضمير المستتر في خبر كان، والمعنى ما كان ضلالتهم ووقوعهم في الكفر إلا بسبب الجدال وهو الخصومة بالباطل مع نبيهم وطلب المعجزة منه عناداً أو جحوداً، وقيل مقابلة الحجة بالحجة، وقيل المراد هنا العناد والمراد في القرآن ضرب بعضه ببعض لترويج مذاهبهم وآراء مشائخهم من غير أن يكون لهم نصرة على ما هو الحق وذلك محرم لا المناظرة لغرض صحيح كإظهار الحق فإنه فرض كفاية ‏(‏ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ أي استشهاداً على ما قرره ‏{‏ما ضربوه‏}‏ أي هذا المثل ‏{‏لك‏}‏ يا محمد وهو قولهم أآلهتنا خير أم هو، أرادوا بالاَلهة هنا الملائكة يعني الملائكة خير أم عيسى يريدون أن الملائكة خير من عيسى فإذا عبدت النصارى عيسى فنحن نعبد الملائكة أي ما قالوا ذلك القول ‏{‏إلا جدلاً‏}‏ أي إلا لمخاصمتك وإذائك بالباطل لا لطلب إلا الحق، كذا قال بعض العلماء‏.‏ قال القاري‏:‏ والأصح في معنى الاَية أن ابن الزبعري جادل رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم‏}‏ آلهتنا أي الأصنام خير عندك أم عيسى فإن كان في النار فلتكن آلهتنا معه، وأما الجواب عن هذه الشبهة‏.‏ فأولاً- أن ما لغير ذوي العقول فالإشكال نشأ عن الجهل بالقواعد العربية، وثانياً- أن عيسى والملائكة خصوا عن هذا بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون‏}‏ انتهى‏.‏ قلت‏:‏ ابن الزبعري بكسر الزاي المعجمة وفتح الباء الموحدة وسكون العين والراء المهملة والألف المقصورة قال الشهاب‏:‏ ابن الزبعري هو عبد الله الصحابي المشهور وهذه القصة على تقدير صحتها كانت قبل إسلامه كذا في فتح البيان ‏{‏بل هم‏}‏ أي الكفار ‏{‏قوم خصمون‏}‏ أي كثير الخصومة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد وابن ماجه والحاكم وابن جرير ‏(‏إنما نعرفه من حديث حجاج بن دينار‏)‏ قال الحافظ ابن كثير بعد نقل كلام الترمذي هذا ما لفظه‏:‏ كاذ قال الترمذي وقد روي من وجه آخر عن أبي أمامة رضي الله عنه بزيادة فذكره‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وأبو غالب اسمه حزور‏)‏ بفتح أوله والزاي وتشديد الواو وآخره راء‏.‏

1850- باب ومن سورة الدخان

مكية وقيل ‏{‏إلا إنا كاشفو العذاب‏}‏ الاَية وهي ست أو سبع أو تسع وخمسون آية

بسم الله الرحمن الرحيم 3374- حدثنا مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، حدثنا عَبْدُ المَلِكِ بنُ إبْرَاهِيمَ الْجُدّيّ، أخبرنا شُعْبَةُ عَن الأعْمَشِ وَمَنْصُورٍ سَمِعَا أبَا الضّحَى يُحَدّثُ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ ‏"‏جَاءَ رَجُلٌ إلى عَبْدِ الله فقَالَ إنّ قَاصّاً يَقُصّ يَقُولُ إنّهُ يَخْرُجُ مِنَ الأَرْضِ الدّخَانُ فَيَأْخُذُ بِمَسَامِعِ الكُفّارِ ويَأْخُذُ المُؤْمِنَ كَهَيْئَةِ الزّكَامِ‏.‏ قَالَ فَغَضِبَ وكَانَ مُتّكِئاً فَجَلَسَ ثُمّ قَالَ إِذَا سُئِلَ أَحَدُكُمْ عَمّا يَعْلَمُ فَلْيَقُلْ بِهِ، قَالَ مَنْصُورٌ فَلْيُنجر بِهِ، وَإِذَا سُئِلَ عَمّا لاَ يَعْلَمْ فَلْيَقُلْ الله أعْلَمُ‏.‏ فإِنّ مِنْ عِلْمِ الرّجُلِ إِذَا سُئِلَ عَمّا لاَ يَعْلَمُ أَنْ يَقُولَ الله أَعْلَمُ فَإِنّ الله تعالى قَالَ لِنَبِيّهِ‏:‏ ‏{‏قُلْ مَا أسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أجْرٍ وَمَا أنَا مِنَ المُتَكَلّفينَ‏}‏ إنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم لَمّا رَأَى قُرَيْشاً اسْتَعْصَوْا عَلَيْهِ قَالَ‏:‏ اللّهُمّ أعِنّى عَلَيْهِمْ بِسَبْعٍ كَسَبْعِ يُوسُفَ فَأَخَذَتْهُمْ سَنَةٌ فحصّتْ كُلّ شَيْءٍ حَتّى أكَلُوا الْجُلُودَ وَالمَيْتَةَ- وَقَالَ أحَدُهُمَا‏:‏ العِظَامَ- قَالَ‏:‏ وَجَعَلَ يَخْرُجُ مِنَ الأرْضِ كَهَيْئَةِ الدّخَانِ، قَالَ‏:‏ فأَتَاهُ أبُو سُفْيَانَ فَقالَ‏:‏ إنّ قَوْمَكَ قَدْ هَلَكُوا فادْعُ الله لَهُمْ، قالَ‏:‏ فَهَذَا لقوله ‏{‏يَوْمَ تَأْتِي السّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ يَغْشَى النّاسَ هَذَا عَذَابٌ ألِيمٌ‏}‏‏"‏‏.‏ قالَ مَنْصُورٌ هَذا لقوله ‏{‏رَبّنَا اكْشِفْ عَنّا العَذَابَ إِنا مؤمنون‏}‏ فَهَلْ يُكْشَفُ عَذَابُ الاَخِرَةِ قد مَضَى البَطْشَةُ واللّزَامُ والدّخَانُ، وقَالَ أحَدهما القَمَرُ وَقالَ الاَخَرُ الرّومُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ والّلزَامُ يعني يَوْمُ بَدْرٍ‏.‏ قال‏:‏ وهَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏

3375- حدثنا الحُسَيْنُ بنُ حُرَيْثٍ حدثنا وَكِيعٌ عَنْ مُوسَى بنِ عُبَيْدَةَ عَن يَزِيدَ بنِ أَبَان عَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ قالَ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إلاّ وَلَهُ بَابَانِ‏:‏ بَابٌ يَصْعَدُ مِنْهُ عَمَلُهُ وبَابٌ يَنْزِلُ مِنْهُ رِزْقُهُ، فإِذَا مَاتَ بَكَيَا عَلَيْهِ فَذَلِكَ قَوْلُهُ عز وجلّ ‏{‏فَمَا بَكَتْ عَلَيْهمُ السّمَاءُ والأرْضُ ومَا كانُوا مُنْظَرِينَ‏}‏‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعاً إلاّ مِنْ هذَا الوَجْهِ ومُوسَى بنُ عُبَيْدَةَ ويَزِيدُ بنُ أبَانَ الرّقاشِيّ يُضَعّفَانِ في الحَدِيثِ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا عبدالملك بن إبراهيم الجدي‏)‏ بضم الجيم وتشديد الدال المكي مولى بني عبد الدار صدوق من التاسعة ‏(‏أبا الضحى‏)‏ هو مسلم بن صبيح ‏(‏إلى عبد الله‏)‏ هو ابن مسعود ‏(‏إن قاصا يقص‏)‏ وفي رواية للبخاري بينما رجل يحدث في كندة ‏(‏فيأخذ بمسامع الكفار‏)‏ جمع مسمع آلة السمع أو جمع سمع بغير قياس، والمسمع بالفتح خرقها، وفي رواية للبخاري فيأخذ بأسماع المنافقين وأبصارهم، وفي رواية مسلم فيأخذ بأنفاس الكفار ‏(‏فغضب‏)‏ أي عبد الله بن مسعود ‏(‏فليقل به‏)‏ أي بما يعلم ‏(‏فإن من علم الرجل إلخ‏)‏ قوله‏:‏ من علم الرجل خبر مقدم لإن واسمها أن يقول الله أعلم، وقوله إذا سئل عما لا يعلم ظرف لقوله علم الرجل، وفي رواية البخاري في تفسير سورة الروم فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم لا أعلم‏.‏ قال الحافظ يعني أن تمييز المعلومين المجهول نوع من العلم وهذا مناسب لما اشتهر من أن لا أدرى نصف العلم، ولأن القول فيما لا يعلم قسم من التكلف ‏(‏فإن الله قال لنبيه ‏{‏قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين‏}‏‏)‏ في قول ابن مسعود هذا وفيما قبله تعريض بالرجل القاص الذي كان يقول‏:‏ يجيء يوم القيامة كذا فأنكر ابن مسعود ذلك وقال لا تتكلفوا فيما لا تعلمون وبين قصة الدخان وقال إنه كهيئة إلخ‏.‏ وذلك قد كان ووقع‏.‏ قال العيني‏:‏ فيه خلاف فإنه روي عن ابن عباس وابن عمر وزيد بن علي والحسن أنه دخان يجيء قبل قيام الساعة انتهى، وقال الحافظ وهذا الذي أنكره ابن مسعود قد جاء عن علي فأخرج عبد الرزاق وابن أبي حاتم من طريق الحارث عن علي قال‏:‏ آية الدخان لم تمض بعد يأخذ المؤمن كهيئة الزكام وينفخ الكافر حتى ينفد، ويؤيد كون آية الدخان لم تمض ما أخرجه مسلم من حديث أبي شريحة رفعه‏:‏ ‏"‏لا تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات طلوع الشمس من مغربها والدخان والدابة‏"‏ الحديث، وروى الطبري من حديث ربعى عن حذيفة مرفوعاً في خروج الاَيات والدخان قال حذيفة يا رسول الله وما الدخان فتلا هذه الاَية‏.‏ قال ‏"‏أما المؤمن فيصيبه منه كهيئة الزكمة وأما الكافر فيخرج من منخريه وأذنيه وإسناده ودبره‏"‏ ضعيف‏.‏ وذكر الحافظ روايات أخرى ضعيفة ثم قال لكن تضافر هذه الأحاديث يدل على أن لذلك أصلاً انتهى‏.‏ قال العيني في العمدة‏:‏ وقال ابن دحيه الذي يقتضيه النظر الصحيح حمل أمر الدخان على قضيتين إحداهما وقعت وكانت والأخرى ستقع أي بقرب القيامة ‏(‏استعصوا عليه‏)‏ أي أظهروا العصيان ولم يتركوا الشرك ‏"‏بسبع‏"‏ أي بسبع سنين فيها جدب وقحط ‏"‏فأخذتهم سنة‏"‏ بفتح السين وهي الجدب والقحط ‏"‏فأحصت كل شيء‏"‏ أي استأصلته وفي بعض النسخ فحصت كل شيء أي أذهبته والحص إذهاب الشعر عن الرأس بحلق أو مرض كذا في النهاية ‏(‏وقال أحدهما‏)‏ الضمير راجع إلى الأعمش ومنصور ‏(‏العظام‏)‏ روى مسلم هذا الحديث من طريق الأعمش وفيه حتى أكلوا العظام، ورواه من طريق منصور وفيه حتى أكلوا الجلود والميتة ‏(‏وجعل يخرج من الأرض كهيئة الدخان‏)‏ وكذلك في رواية البخاري، وفي رواية أخرى له‏:‏ فكان يقوم أحدهم فكان يرى بينه وبين السماء مثل الدخان من الجهد والجوع‏.‏

قال الحافظ ولا تدافع بينهما لأنه يحمل على أنه كان مبدأه من الأرض ومنتهاه ما بين السماء والأرض ولا معارضة أيضاً بين قوله يخرج من الأرض وبين قوله كهيئة الدخان لاحتمال وجود الأمرين بأن يخرج من الأرض بخار كهيئة الدخان من شدة حرارة الأرض ووهجها من عدم الغيث وكانوا يرون بينهم وبين السماء مثل الدخان من فرط حرارة الجوع، أو الذي كان يخرج من الأرض بحسب تخيلهم ذلك من غشاوة أبصارهم من فرط الجوع أو لفظ من الجوع صفة الدخان أي يرون مثل الدخان الكائن من الجوع ‏{‏يوم تأتي السماء بدخان مبين‏}‏ الاَية بتمامها مع تفسيرها هكذا ‏{‏فارتقب‏}‏ أي انتظر يا محمد عذابهم فحذف مفعول فارتقب لدلالة ما بعده عليه وهو قوله عذاب أليم، وقيل يوم تأتي السماء مفعول فارتقب يقال رقبته فارتقبته نحو نظرته فانتظرته ‏{‏يوم تأتي السماء بدخان مبين‏}‏ أي ظاهر ‏{‏يغشى الناس‏}‏ أي يحيطهم ‏{‏هذا عذاب أليم‏}‏ يقول الله ذلك وقيل يقوله الناس ربنا اشكف عنا العذاب قال الله تعالى حكاية عن المشركين لما أصابهم قحط وجهد قالوا‏:‏ ‏{‏ربنا اكشف عنا العذاب‏}‏ وهو القحط الذي أكلوا فيه الميتات والجلود ‏{‏إنما مؤمنون‏}‏ أي مصدقون بنبيك ‏{‏أنى لهم الذكرى‏}‏ أي كيف يتذكرون ويتعظون بهذه الحالة ‏{‏وقد جاءهم رسول مبين‏}‏ معناه وقد جاءهم ما هو أعظم وأدخل في وجوب الطاعة وهو ما ظهر على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الاَيات البينات والمعجزات الظاهرات ‏{‏ثم تولوا عنه‏}‏ أي أعرضوا ‏{‏وقالوا معلم‏}‏ أي يعلمه القرآن، بشر مجنون ‏{‏إنا كاشفو العذاب‏}‏ أي الجوع عنكم ‏{‏قليلاً‏}‏ أي زمناً قليلاً فكشف عنهم ‏{‏إنكم عائدون‏}‏ أي إلى كفركم فعادوا إليه ‏{‏يوم نبطش البطشة الكبرى‏}‏ هو يوم بدر، والبطش الأخذ بقوة ‏{‏إنما منقمون‏}‏ أي منهم ‏(‏فهل يكشف عذاب الاَخرة‏)‏ وفي رواية مسلم فيكشف بالهمزة قال النووي‏:‏ هذا استفهام إنكار على من يقول إن الدخان يكون يوم القيامة كما صرح به في الرواية الثانية يعني التي فيها قال يأتي الناس يوم القيامة دخان فيأخذ بأنفساهم حتى يأخذهم منه كهيئة الزكام فقال ابن مسعود‏:‏ هذا قول باطل لأن الله تعالى قال‏:‏ ‏{‏بإنا كاشفو العذاب قليلاً إنكم عائدون‏}‏ ومعلوم أن كشف العذاب ثم عودهم لا يكون في الاَخرة وإنما هو في الدنيا انتهى ‏(‏قال‏)‏ أي ابن مسعود ‏(‏مضى البطشة واللزام والدخان وقال أحدهم القمر وقال الاَخر الروم‏)‏ وفي بعض النسخ وقال أحدهما وهو الظاهر، وفي رواية البخاري قال عبد الله‏:‏ خمسة قد مضين الدخان والقمر والروم والبطشة واللزام ‏{‏فسوف يكون لزاماً‏}‏ هلاكاً‏.‏ قال العيني قوله خمس‏)‏ أي خمس علامات قد مضين أي وقعن‏.‏ الأولى- الدخان قال تعالى‏:‏ ‏{‏يوم تأتي السماء بدخان مبين‏}‏‏.‏ الثانية- القمر قال الله تعالى ‏{‏اقتربت الساعة وانشق القمر‏}‏‏.‏ الثالثة- الروم قال الله تعالى ‏{‏ألم غلبت الروم‏}‏‏.‏ الرابعة- البطشة قال الله تعالى ‏{‏يوم نبطش البطشة الكبرى‏}‏ وهو القتل الذي وقع يوم بدر‏.‏ الخامسة- اللزام ‏{‏فسوف يكون لزاماً‏}‏ قيل هو القحط وقيل هو التصاق القتلى بعضهم ببعض في بدر، وقيل هو الأسر فيه وقد أسر سبعون قرشياً فيه ‏(‏قال أبو عيسى اللزام يوم بدر‏)‏ اختلف فيه فذكر ابن أبي حاتم في تفسيره أنه القتل الذي أصابهم ببدر، روي ذلك عن ابن مسعود وأبي بن كعب ومجاهد وقتادة والضحاك‏.‏ قال القرطبي فعلى هذا تكون البطشة واللزام واحداً، وعن الحسن‏:‏ اللزام يوم القيامة وعنه أنه الموت وقيل يكون ذنبكم عذاباً لازماً لكم كذا في العمدة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد والشيخان والنسائي‏.‏

- قوله‏:‏ ‏"‏وله‏"‏ أي مختص به ‏"‏بابان‏"‏ أي من السماء ‏"‏يصعد‏"‏ بفتح الياء ويضم أي يطلع ويرفع ‏"‏عمله‏"‏ أي الصالح إلى مستقر الأعمال وهو محل كتابتها في السماء بعد كتابتها في الأرض وفي إطلاقه العمل إشعار بأنه عمله كله صالح ‏"‏ينزل‏"‏ بصيغة الفاعل أو المفعول ‏"‏رزقه‏"‏ أي الحسي أو المعنوي إلى مستقر الأرزاق من الأرض ‏"‏بكيا‏"‏ أي البابان ‏"‏عليه‏"‏ أي على فراقه لأنه انقطع خيره منهما بخلاف الكافر فإنهما يتأذيان بشره، فلا يبكان عليه‏.‏ قاله ابن الملك، وهو ظاهر موافق لمذهب أهل السنة على ما نقله البغوي أن للأشياء كلها علماً بالله ولها تسبيح ولها خشية وغيرها، وقيل أي بكى عليه أهلهما‏:‏ وقال الطيبي انكشاف هذا تمثيل وتخييل مبالغة في فقدان من درج وانقطع خيره، وكذلك ما روي عن ابن عباس من بكاء مصلى المؤمن وآثاره في الأرض ومصاعد عمله ومهابط رزقه في السماء تمثيل ونفي ذلك في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فما بكت عليهم السماء والأرض‏}‏ تهكم بهم وبحالهم المنافية لحال من يعظم فقده فيقال فيه بكت عليه السماء والأرض انتهى، وهو مخالف لظاهر الاَية والحديث ولا وجه للعدول لمجرد مخالفته ظاهر العقول كذا في المرقاة ‏(‏فذلك‏)‏ أي مفهوم الحديث أو مصداقه ‏(‏قوله فما بكت عليهم إلخ‏)‏ أي لم تكن لهم أعمال صالحة تصعد في أبواب السماء فتبكي على فقدهم ولا لهم في الأرض بقاء عبدوا الله تعالى فيها فقدتهم فلهذا استحقوا أن لا ينظروا ولا يؤخروا لكفرهم وإجرامهم وعتوهم وعنادهم‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ وأخرجه أبو يعلي وابن أبي حاتم‏.‏

1851- باب ومن سورة الأحقاف

مكية إلا ‏(‏قل أرأيتم إن كان من عند الله‏)‏ الاَية وإلا ‏(‏فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل‏)‏ وإلا ‏(‏ووصينا الإنسان بوالديه‏)‏ الثلاث آيات وهي أربع أو خمس وثلاثون آية

بسم الله الرحمن الرحيم 3376- حدثنا عَلِيّ بنُ سَعِيدٍ الكِنْدِيّ، حدثنا أَبُو مُحَيّاةَ عَن عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ عَن ابنِ أخِي عَبْدِ الله بنِ سَلاَمٍ قالَ‏:‏ ‏"‏لَمّا أُرِيدَ عُثْمَانُ جَاءَ عَبْدُ الله بنُ سَلاَمٍ فقالَ لَهُ عُثْمَانُ‏:‏ مَا جَاءَ بِكَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ جِئْتُ في نُصْرَتِكَ قالَ‏:‏ اخْرُجْ إلى النّاسِ فَاطْرُدْهُمْ عَنّي فإِنّكَ خَارِجٌ خَيْرٌ لِي مِنْكَ دَاخِلٌ، قَالَ فَخَرَجَ عَبْدُ الله بنُ سَلاَمٍ إلى النّاسِ فَقَالَ‏:‏ أَيّهَا النّاسُ إِنّهُ كَان اسْمِي في الجَاهِلِيةِ فُلاَنٌ فَسَمّانِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَبْدَ الله ونَزَلَ فيّ آيَاتٌ مِنْ كِتَابِ الله، نَزَلَتْ فيّ ‏{‏وشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ واسْتَكْبَرْتُمْ إنّ الله لا يَهْدِي القَوْمَ الظّالِمِينَ‏}‏ وَنَزَلَتْ فِيّ ‏{‏قُل كَفَى بالله شَهِيداً بَيْنِي وبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الكِتَابِ‏}‏ إِن لله سَيْفاً مَغْموداً عَنْكُمْ وإنّ المَلاَئِكَةَ قَدْ جَاوَرَتْكُمْ في بَلَدِكُمْ هَذَا الّذِي نَزَلَ فِيهِ نَبِيّكُمْ فالله الله في هَذَا الرّجُلِ أَنْ تَقْتُلُوهُ فَوَالله إنْ قَتَلْتُمُوهُ لَتَطْرُدُنّ جِيرَانَكُمْ المَلاَئِكَةَ وَلْتَسُلّنّ سَيْفَ الله الْمَغْمودَ عَنْكُمْ فَلاَ يُغْمَدُ إلَى يَوْمِ القيامَةِ‏.‏ قَالَ فقَالُوا اقْتُلُوا اليَهُودِيّ واقْتُلُوا عُثْمَانَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حسنٌ غَريبٌ وَقد رَوَاهُ شُعَيبُ بنُ صَفْوَانَ عَن عَبد المَلِكِ بن عُمَيْرٍ عَن ابنِ مُحمّدِ بن عَبْدِ الله بن سَلاَم عَن جَدّه عَبدِ الله بن سلاَمٍ‏.‏

3377- حدثنا عَبْدُ الرّحْمَنِ بنُ الأسْوَدِ أبُو عَمْرٍو البَصْرِيّ، حدثنا مُحمّدُ بنُ رَبِيعَةَ عَن ابنِ جُرَيْجٍ عَن عَطاءٍ عَن عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ‏:‏ ‏"‏كانَ النبيّ صلى الله عليه وسلم إذَا رَأى مَخِيلَةً أقْبَلَ وَأَدْبَرَ فَإِذَا مَطَرَتْ سُرّيَ عَنْهُ‏.‏ قَالَتْ فَقُلْتُ لَهُ فقَالَ‏:‏ وَمَا أدْرِي لَعَلّهُ كَمَا قَالَ الله تعالَى‏:‏ ‏{‏فَلَمّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا‏}‏‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ‏.‏

3378- حدثنا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ، أخبرنا إِسْمَاعِيلُ بنُ إبْرَاهيمَ عَن دَاودَ عَن الشّعْبيّ عَن عَلْقَمَةَ قَالَ‏:‏ ‏"‏قُلْتُ لابنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه‏:‏ هَلْ صَحِبَ النبيّ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ الجِنّ مِنْكُمْ أحَدٌ‏؟‏ قالَ‏:‏ مَا صَحِبَهُ مِنّا أحَدٌ ولَكِنْ قد افْتَقَدْنَاهُ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَهُوَ بمكّةَ فَقُلْنَا اغْتِيلَ أو اسْتُطِيرَ ما فُعِلَ بِهِ‏؟‏ فَبِتْنَا بِشَرّ لَيْلَةٍ بَاتَ بِهَا قَوْمٌ حَتّى إذَا أَصْبَحْنَا أَوْ كَانَ في وَجْهِ الصّبْحِ إذَا نَحْنُ بِهِ يَجِيءُ مِنْ قِبَلِ حِراءٍ قالَ‏:‏ فَذَكَرُوا لَهُ الّذِي كَانُوا فِيهِ قالَ‏:‏ فقال‏:‏ ‏"‏أَتَانِي دَاعِيَ الْجِنّ فأَتَيْتُهُمْ فَقَرَأْتُ عَلَيْهم، قالَ‏:‏ فانْطَلَقَ فأَرَانا آثَارَهُمْ وآثار نِيرَانِهِمْ‏.‏ قالَ الشّعْبيّ‏:‏ وسَأَلُوهُ الزّادَ وكانُوا مِنْ جِنّ الْجَزِيرَةِ فقالَ‏:‏ كُلّ عَظْمٍ يُذْكَرْ اسْمُ الله عَلَيْهِ يَقَعُ في أيْدِيكُمْ أوْفَرَ مَا كانَ لَحْماً، وَكُلّ بَعْرَةٍ أوْ رَوْثَةِ عَلَفٌ لِدَوَابّكُمْ‏.‏ فقالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ فَلاَ تَسْتَنْجُوا بِهِمَا فإِنّهُمَا زَادُ إخْوَانكُمْ ‏(‏مِنَ‏)‏ الْجِنّ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا أبو محياة‏)‏ اسمه يحيى بن يعلي التيمي ‏(‏عن ابن أخي عبدالله ابن سلام‏)‏ مجهول من الثالثة‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏لما أريد عثمان‏)‏ أي أريد قتله ‏(‏جاء عبد الله بن سلام‏)‏ بتفخفيف اللام الصحابي المشهور ‏(‏أخرج إلى الناس‏)‏ أي الذين حاصروه ‏(‏فاطردهم‏)‏ من الطرد وهو الإبعاد أي أبعدهم ‏(‏فإنك خارج خير لي منك داخل‏)‏ أي كونك خارجاً لطردهم خير لي من كونك داخلاً عندي ‏(‏إنه كان اسمي في الجاهلية فلان‏)‏ الظاهر أن يكون فلاناً بالنصب منوناً لأنه خبر كان وفلان وفلانة يكنى بهما عن العلم الذي مسماه ممن يعقل فلا تدخل ال عليهما وفلانة ممنوعة من الصرف فيقال جاء فلان ولكن جاءت فلانة ويكنى بهما أيضاً عن العلم لغير العاقل فتدخل عليهما ال تقول ركبت الفلان وحلبت الفلانة وأما الرفع فعلى أن في كان ضمير الشأن واسمي مبتدأ وفلان خبره والجملة خبر كان وكان اسم عبد الله في الجاهلية الحصين فسماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله أخرجه ابن ماجه ‏(‏فيّ‏)‏ بتشديد الياء ‏{‏وشهد شاهد من بني إسرائيل‏}‏ أي العالمين بما أنزل الله في التوراة وقبله ‏{‏قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد‏}‏ إلخ ‏(‏على مثله فآمن‏)‏ أي على مثل القرآن من المعاني الموجودة في التوراة المطابقة له من إثبات التوحيد والبعث والنشور وغير ذلك‏.‏ وهذه المثلية هي باعتبار تطابق المعاني وإن اختلفت الألفاظ قال الجرجاني‏:‏ مثل صلة والمعنى وشهد شاهد عليه أنه من عند الله وكذا قال الواحدي، فآمن الشاهد بالقرآن لما تبين له أنه من كلام الله ومن جنس ما ينزله على رسله وهذا الشاهد من بني إسرائيل هو عبد الله بن سلام كما قال الحسن ومجاهد وقتادة وغيرهم وفي هذا نظر فإن السورة مكية بالإجماع وعبد الله بن سلام كان إسلامه بعد الهجرة فيكون المراد بالشاهد رجلاً من أهل الكتاب قد آمن بالقرآن في مكه وصدقه، واختار هذا ابن جرير والراجح أنه عبد الله بن سلام وأن هذه الاَية مدنية لا مكية‏.‏ وعن ابن عباس قال هو عبد الله بن سلام، وقد روي نحو هذا عن جماعة من التابعين وفيه دليل على أن هذه الاَية مدنية فيخصص بها عموم قولهم‏:‏ إن سورة الأحقاف كلها مكية وإياه ذكر الكراشي وكونه إخباراً قبل الوقوع خلاف الظاهر ولذا قيل لم يذهب أحد أن الاَية مكية إذا فسر الشاهد بابن سلام، وفيه بحث لأنه قوله وشهد شاهد معطوف على الشرط الذي يصير به الماضي مستقبلاً فلا ضرر في شهادة الشاهد بعد نزولها وادعاء أنه لم يقل به أحد من السلف مع ذكره في شروح الكشاف لا وجه له إلا أن يراد من السلف المفسرون‏.‏ قاله الشهاب كذا في فتح البيان‏.‏

قلت‏:‏ حديث عبدالله بن سلام وهذا صريح في أن هذه الاَية نزلت فيه، وحديث عوف بن مالك عند ابن حبان وحديث ابن عباس عند ابن مردويه أيضاً يدلان على أن هذه الاَية نزلت في عبد الله بن سلام كما في فتح الباري وهو القول الراجح ‏{‏واستكبرتم‏}‏ أي آمن الشاهد واستكبرتم أنتم عن الإيمان وجواب الشرط بما يدل عليه ألستم ظالمين دل عليه ‏{‏إن الله لا يهدي القوم الظالمين‏}‏ فحرمهم الله سبحانه الهداية بظلمهم لأنفسهم بالكفر بعد قيام الحجة الظاهرة على وجوب الإيمان ومن فقد هداية الله له ضل ‏{‏كفى بالله شهيداً بيني وبينكم‏}‏ أي على صدقي ‏(‏ومن عنده علم الكتاب‏)‏ قيل هو عبد الله بن سلام وقيل هم مؤمنو أهل الكتاب‏.‏ وهذه الاَية في آخر سورة الرعد ‏(‏مغموداً‏)‏ أي مستوراً في غلافه ‏(‏فالله الله‏)‏ بالنصب فيهما أي اتقوا الله ‏(‏في هذا الرجل‏)‏ أي عثمان رضي الله عنه ‏(‏أن تقتلوه‏)‏ بدل اشتمال من هذا الرجل ‏(‏لتطردن‏)‏ أي لتبعدن ‏(‏جيرانكم‏)‏ بالنصب على المفعولية ‏(‏الملائكة‏)‏ بالنصب على البدلية ‏(‏ولتسلن‏)‏ أي لتنتزعن ‏(‏فلا يغمد‏)‏ بصيغة المجهول‏.‏ قال في مختار الصحاح غمد السيف من باب ضرب ونصر جعله في غمده فهو مغمود وأغمده أيضاً فهو مغمد وهما لغنان فصيحتان ‏(‏اقتلوا اليهودي‏)‏ أي عبد الله بن سلام‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ وأخرجه ابن مردويه وابن جرير مختصراً‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏عن ابن محمد بن عبد الله بن سلام‏)‏ وفي الرواية الاَتية في مناقب عبد الله بن سلام‏:‏ وعمر بن محمد بن عبد الله بن سلام ولم أقف على ترجمة عمر بن محمد هذا‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبدالرحمن بن الأسود‏)‏ هو ابن المأمون‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏إذا رأى مخيلة‏)‏ بفتح الميم وكسر الخاء المعجمة وسكون التحتية وهي السحابة التي يخال فيها المطر ‏(‏أقبل وأدبر‏)‏ زاد البخاري‏:‏ ودخل وخرج وتغير وجهه أي خوفاً أن تصيب أمته عقوبة ذنب العامة كما أصاب الذين قالوا هذا عارض ممطرنا الاَية ‏(‏فإذا مطرت‏)‏ أي المخيلة ‏(‏سرى عنه‏)‏ بضم المهملة وتشديد الراء بلفظ المجهول أي كشف عنه ما خالطه من الوجل ‏(‏فقلت له‏)‏ أي لم تقبل وتدبر ويتغير وجهك عند رؤية المخيلة ‏"‏فقال وما أدري لعله‏"‏ أي المذكور من المخيلة ‏{‏فلما رأوه‏}‏ أي ما هو العذاب ‏{‏عارضاً‏}‏ أي سحاباً عرض في أفق السماء ‏{‏مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا‏}‏ أي ممطر إيانا بعده ‏{‏بل هو‏}‏ أي قال تعالى ‏{‏بل هو ما استعجلتم به‏}‏ من العذاب ريح بدل من ما ‏{‏فيها عذاب أليم‏}‏ أي مؤلم‏.‏

قال ابن العربي‏:‏ فإن قيل كيف يخشى النبي صلى الله عليه وسلم أن يعذب القوم وهو فيهم مع قوله تعالى ‏(‏وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم‏)‏ والجواب أن الاَية نزلت بعد هذه الاَية ويتعين الحمل على ذلك لأن الاَية دلت على كرامة له صلى الله عليه وسلم ورفعة فلا يتخيل انحطاط درجته أصلاً‏.‏

قال الحافظ‏:‏ يعكر عليه أن آية الأنفعال كانت في المشركين من أهل بدر، وفي حديث عائشة إشعار بأنه كان يواظب على ذلك من صنيعه كان إذا رأى فعل كذا‏.‏ والأولى في الجواب أن يقال إن في آية الأنفال احتمال التخصيص بالمذكورين له بوقت دون وقت أو مقام الخوف يقتضي غلبته عدم الأمن من مكر الله، وأولى من الجميع أن يقال خشي على من ليس هو فيهم أن يقع بهم العذاب أما المؤمن فشفقته عليه لإيمانه وأما الكافر فلرجاء إسلامه وهو بعث رحمة للعالمين‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ وأخرجه البخاري والنسائي‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم‏)‏ هو ابن علية ‏(‏عن داود‏)‏ هو ابن أبي هند‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏قال ما صحبه منا أحد‏)‏ قال النووي‏:‏ هذا صريح في إبطال الحديث المروى في سنن أبي داود وغيره المذكور فيه الوضوء بالنبيذ وحضور ابن مسعود معه صلى الله عليه وسلم ليلة الجن فإن هذا الحديث صحيح وحديث النبيذ ضعيف بإتفاق المحدثين ومداره على زيد مولى عمرو بن حريث وهو مجهول انتهى‏.‏ ‏(‏افتقدناه‏)‏ فقده يفقده من باب ضرب أي عدمه وافتقده مثله ‏(‏وهو بمكة‏)‏ جملة حالية ‏(‏اغتيل‏)‏ بصيغة المجهول أي قتل سراً من الاغتيال وهو القتل في خفية ‏(‏استطير‏)‏ بصيغة المجهول أيضاً من الاستطار أي طارت به الجن ‏(‏إذا نحن به‏)‏ أي برسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا للمفاجأة ‏(‏من قبل‏)‏ بكسر القاف وفتح الموحدة ‏(‏حراً‏)‏ قال في القاموس حراء ككتاب وكعلي عن عياض ويؤنث ويمنع جبل بمكة فيه غار تحنث فيه النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏قال الشعبي وسألوه الزاد إلخ‏)‏‏.‏ قال الدارقطني انتهى حديث ابن مسعود عند قوله فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم وما بعده من قول الشعبي، كذا رواه أصحاب داود الراوي عن الشعبي وابن علية وابن زريع وابن أبي زائدة وابن إدريس وغيرهم، هكذا قاله الدارقطني وغيره‏.‏ ومعنى قوله إنه من كلام الشعبي أنه ليس مروياً عن ابن مسعود بهذا الحديث وإلا فالشعبي لا يقول هذا الكلام إلا بتوقيف عن النبي صلى الله عليه وسلم، قاله النووي ‏"‏كل عظم لم يذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما كان لحماً‏"‏ وفي رواية مسلم‏:‏ ‏"‏لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحماً‏"‏‏.‏ وفي هاتين الروايتين تخالف ظاهر ويمكن وزار رمسه فيكون معنى الاَية ألهاكم حرصكم على تكثير أموالكم عن طاعة ربكم حتى أتاكم الموت وأنتم على ذلك‏.‏ قال ابن جرير في تفسيره‏:‏ وفي هذا دليل على صحة القول بعذاب القبر، لأن الله تعالى ذكره أخبر عن هؤلاء القوم الذين ألهاهم التكاثر أنهم سيعلمون ما يلقون إذا هم زاروا القبور وعيداً منه لهم وتهدداً، وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل فذكر حديث على هذا ثم قال وقوله‏:‏ ‏(‏كلا سوف تعلمون‏)‏ يقول جل ثناؤه سوف تعلمون إذا زرتم المقابر أيها الذين ألهاهم التكاثر غب فعلكم واشتغالكم بالتكاثر في الدنيا عن طاعة الله ربكم، وقوله‏:‏ ‏(‏ثم كلا سوف تعلمون‏)‏ ثم ما هكذا ينبغي أن تفعلوا أي يلهيكم إذا أنتم زرتموها من مكروه اشتغالكم عن طاعة ربكم بالتكاثر، وكرر قوله‏:‏ ‏(‏كلا سوف تعلمون‏)‏ مرتين لأن العرب إذا أرادت التغليظ في التخويف والتهديد يذكروا الكلمة مرتين انتهى‏.‏

تنبيه‏:‏

اعلم أن في القرآن المجيد آيات تدل على ثبوت عذاب القبر إحداها هذه الاَية أعني قوله تعالى‏:‏ ‏(‏ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر‏)‏ إلخ وأصرحها وأوضحها الاَية التي في سورة المؤمن وهو قوله تعالى‏:‏ ‏(‏النار يعرضون عليها غدواً وعشياً ويوم تقوم لاساعة ادخلوا آل فرعون أشد العذاب‏)‏ قال العلامة نظام الدين الحسن بن محمد النيسابوري في تفسير هذه الاَية ص 38 ج 24 ما لفظه‏:‏ وفي الاَية دلالة ظاهرة على إثبات عذاب القبر لأن تعذيب يوم القيامة يجيء في قوله‏:‏ ‏(‏ويوم تقوم الساعة‏)‏ انتهى وقال الحافظ ابن كثير‏:‏ وهذه الاَية أصل كبير لي استدلال أهل السنة على عذاب البرزخ في القبور وهي قوله تعالى‏:‏ ‏(‏النار يعرضون عليها غدواً وعشياً‏)‏ انتهى‏.‏ وقال الرازي‏:‏ احتج أصحابنا بهذه الاَية على إثبات عذاب القبر قالوا الاَية تقضي عرض النار عليهم غدواً وعشياً وليس المراد منه يوم أن يجمع بينهما بأن المراد بقوله‏:‏ ذكر اسم الله عليه أي عند الذبح، وبقوله لم يذكر اسم الله عليه يعني عند الأكل وإلا فما في الصحيح هو أصح‏.‏ قوله ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد ومسلم‏.‏

1852- باب ومن سورة محمد صلى الله عليه وسلم

وتسمى سورة القتال مدنية وهي ثمان أو تسع وثلاثون آية

بسم الله الرحمن الرحيم 3379- حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، أخبرنا عَبْدُ الرزّاقِ، أخبرنا مَعْمَرٌ عَن الزّهْرِيّ عَن أَبِي سَلَمَةَ عَن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ‏{‏واسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وللمُؤْمِنِينَ والمُؤْمِنَاتِ‏}‏ فقَالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إِنّي لأَسْتَغْفِرُ الله في اليَوْمِ سَبْعِينَ مَرّةً‏"‏ قال‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏ وَيُرْوَى عَن أَبي هُرَيْرَةَ أيضاً عَن النبيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ قَالَ ‏"‏إِنّي لأَسْتَغْفِرُ الله في اليَوْمِ مائَةَ مَرّةٍ‏"‏ وقد روي من غير وجهٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم إني لأستغفر الله في اليوم مائة مرةٍ‏.‏ ورَوَاهُ مُحمّدُ بنُ عَمْرٍو عَن أَبِي سَلَمةَ عَن أَبِي هُرَيْرَةَ‏.‏

3380- حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، أخبرنا عَبْدُ الرزّاقِ، أخبرنا شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ المَدِينَةِ عَن العَلاَءِ بنِ عَبْدِ الرْحمَن عَن أَبيهِ عَن أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ ‏"‏تَلاَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم هَذِهِ الاَيَةَ يَوْماً ‏{‏وإِنْ تَتَوَلّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمّ لاَ يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ‏}‏ قَالوا وَمَنْ يُسْتَبْدَلُ بِنَا‏؟‏ قَالَ فَضَرَبَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَلَى منْكَبِ سَلْمَانَ ثُمّ قَالَ‏:‏ هَذَا وقَوْمُهُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ غَرِيبٌ في إِسْنَادِهِ مَقَالٌ‏.‏ وقد رَوَى عَبْدُ الله بنُ جَعْفَرٍ أَيْضاً هَذَا الحَدِيثَ عَن العَلاَءِ بنِ عَبْدِ الرْحمَنِ‏.‏

3381- حدثنا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ أخبرنا إسْمَاعِيلُ بنُ جَعْفَرٍ حدثنا عَبْدُ الله بنُ جَعْفَرِ بنِ نَجِيحٍ عَن العَلاَءِ بنِ عَبْدِ الرّحمَنِ عَن أَبِيهِ عَن أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّهُ قَالَ ‏"‏قَالَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم يَا رَسُولَ الله مَنْ هَؤلاَءِ الّذِينَ ذَكَرَ الله إِنْ تَوَلّيْنَا اسْتُبْدِلُوا بِنَا ثُمّ لاَ يَكُونُوا أَمْثَالَنَا‏؟‏ قَالَ وَكَانَ سَلْمَانُ بِجَنْبِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ فَضَرَبَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَخِذَ سَلْمَانَ وَقَالَ هَذَا وأَصْحَابُهُ‏.‏ والّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ كانَ الإيمَانُ مَنُوطاً بالثّرَيّا لَتَنَاوَلَهُ رِجَالٌ مِنْ فَارِسَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وعَبْدُ الله بنُ جَعْفَرِ بنِ نَجِيحٍ هُوَ وَالدُ عَلِيّ بنِ المَدِينيّ وقد رَوَى عَلِيّ بنُ حُجْرٍ عَن عَبْدِ الله بنِ جَعْفَرٍ الكَثِيرَ وَحَدّثَنَا عَلِيّ بِهذَا الحَدِيثِ عَن إسْمَاعِيلَ بنِ جَعْفَرِ عن عبد الله بن جعفر وحدثنا بشر بن معاذ حدثنا عبد الله بن جعفر عن العلاء نحوه إلا أنه قال‏:‏ مُعلقٌ بالثريا‏.‏

- قوله‏:‏ ‏{‏واستغفر لذنبك‏}‏ أي استغفر الله مما ربما يصدر منك من ترك الأولى‏.‏ وقيل لتستن به أمته وليقتدوا به في ذلك‏.‏ وقيل غير ذلك كما ستقف ‏{‏وللمؤمنين والمؤمنات‏}‏ فيه إكرام من الله عزّ وجلّ لهذه الأمة حيث أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يستغفر لذنوبهم وهو الشفيع المجاب فيهم ‏"‏إني لأستغفر الله‏"‏ وفي رواية البخاري‏:‏ ‏"‏والله إني لأستغفر الله‏"‏ وأتوب إليه‏"‏‏.‏ قال الحافظ فيه القسم على الشيء تأكيداً له وإن لم يكن عند السامع فيه شك، وظاهره أنه يطلب المغفرة ويعزم على التوبة، ويحتمل أن يكون المراد يقول هذا اللفظ بعينه، ويرجح الثاني ما أخرجه النسائي بسند جيد من طريق مجاهد عن ابن عمر أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه‏"‏ في المجلس قبل أن يقوم مائة مرة، وله من رواية محمد بن سوقة عن نافع عن ابن عمر بلفظ‏:‏ إنا كنا لنعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الغفور مائة مرة ‏(‏في اليوم سبعين مرة‏)‏ وفي رواية البخاري‏:‏ أكثر من سبعين مرة‏.‏ قال الحافظ تحت هذه الرواية ما لفظه‏:‏ وقع في حديث أنس‏:‏ إني لأستغفر الله في اليوم سبعين مرة‏.‏ فيحتمل أن يريد المبالغة ويحتمل أن يريد العدد بعينه، وقوله أكثر مبهم فيحتمل أن يفسر بحديث ابن عمر المذكور وأنه يبلغ المائة‏.‏ قوله ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري ‏(‏ويروى عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة إلخ‏)‏ رواه النسائي كما صرح به الحافظ في الفتح‏.‏

تنبيه‏:‏

قد استشكل وقوع الاستغفار من النبي صلى الله عليه وسلم وهو معصوم والاستغفار يستدعى وقوع معصية، وأجيب بعدة أجوبة منها أن المراد باستغفاره صلى الله عليه وسلم استغفاره من الغين الذي وقع في حديث الأغر المزني عند مسلم‏:‏ إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة قال عياض‏.‏ المراد من الغين فترات عن الذكر الذي شأنه أن يداوم عليه فإذا فتر عنه لأمر ما عد ذلك ذنباً فاستغفر عنه، ومنها قول ابن الجوزي هفوات الطباع البشرية لا يسلم منها أحد‏.‏ والأنبياء وإن عصموا من الكبائر فلم يعصموا من الصغائر، كذا قال وهخو مفرع على خلاف المختار والراجح عصمتهم من الصغائر، كذا قال وهو مفرع على خلاف المختار والراجح عصمتهم من الصغائر، كذا قال وهو مفرع على خلاف المختار والراجح عصمتهم من الصغائر أيضاً، ومنها قول ابن بطال‏:‏ الأنبياء أشد الناس اجتهاداً في العبادة لما أعطاهم الله تعالى من المعرفة فهم داثبون في شكره معترفون له بالتقصير انتهى‏.‏ ومحصل جوابه أن الاستغفار من التقصير في أداء الحق الذي يجب لله تعالى، ويحتمل أن يكون لاشتغاله بالأمور المباحة من أكل أو شرب أو جماع أو نوم أو راحة أو لمخاطبة الناس والنظر في مصالحهم ومحاربة عدوهم تارة ومداراته أخرى وتأليف المؤلفة وغير ذلك مما يحجبه عن الاشتغال بذكر الله التضرع إليه ومشاهدته ومراقبته فيرى ذلك ذنباً بالنسبة إلى المقام العلي وهو الحضور في حظيرة القدس‏.‏ ومنها أن الاستغفار تشريع لأمته أو من ذنوب الأمة فهو كالشفاعة لهم‏.‏ وقال الغزالي في الإحياء‏:‏ كان صلى الله عليه وسلم دائم الترقي فإذا ارتقى إلى حال رأى ما قبلها دونها فاستغفر من الحالة السابقة، وهذا مفرع على أن العدد المذكور في استغفاره كان مفرقاً بحسب تعدد الأحوال، وظاهر ألفاظ الحديث يخالف ذلك كذا في الفتح‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن العلاء بن عبدالرحمن‏)‏ بن يعقوب الحرقي ‏{‏وإن تتولوا‏}‏ أي إن تعرضوا وتدبروا عن طاعته ‏{‏يستبدل قوماً غيركم‏}‏ أي يجعلهم بدلكم ‏(‏ثم لا يكونوا أمثالكم‏)‏ أي في التولي عن طاعته بل مطيعين له عزّ وجلّ ‏(‏قالوا‏)‏ أي قال بعض الصحابة ‏(‏على منكب سلمان‏)‏ أي الفارسي وفي الرواية الاَتية‏:‏ فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فخذه ومنكبه ‏"‏هذا وقومه‏"‏ هم الفرس قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ في سنده شيخ من أهل المدينة وهو مجهول‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏استبدلوا بنا‏)‏ بصيغة المجهول أي يجعلوا بدلنا ‏"‏لو كان الإيمان منوطاً‏"‏ أي معلقاً ‏"‏بالثريا‏"‏ بضم المثلثة وفتح الراء وتشديد التحتية هو النجم‏.‏ قال في القاموس‏:‏ امرأة ثروى متمولة والثريا تصغيرها والنجم لكثرة كواكبه مع ضيق المحل ‏"‏لتناوله‏"‏ أي أخذ الإيمان ‏"‏لتناوله‏"‏ أي أخذ الإيمان ‏"‏رجال من فارس‏"‏ قال في القاموس‏:‏ فارس والفرس أو بلادهم‏.‏

إعلم أن هذا الحديث صريح في أن قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏لو كان الإيمان‏"‏ إلخ صدرمنه عند نزول هذه الاَية وحديث أبي هريرة الاَتي في تفسير سورة الجمعة صريح في أن هذا القول صدر منه عند نزول قوله تعالى ‏{‏وآخرين منهم لما يلحقوا بهم‏}‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ يحتمل أن يكون ذلك صدر عند نزول كل من الاَيتين ويأتي الكلام مفصلاً بما يتعلق بقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لو كان الإيمان‏"‏ إلخ في تفسير سورة الجمعة إن شاء الله تعالى‏:‏ ‏(‏وقد روى علي بن حجر عن عبد الله بن جعفر الكثير‏)‏ أي من الأحاديث يعني قد روى علي بن حجر أحاديث كثيرة عن عبد الله بن جعفر بغير واسطة‏.‏ ‏(‏وحدثنا علي بهذا الحديث عن إسماعيل بن جعفر عن عبد الله بن جعفر بن نجيح‏)‏ أي بواسطة إسماعيل بن جعفر‏.‏

1853- باب ومن سورة الفتح

مدنية وهي تسع وعشرون آية

بسم الله الرحمن الرحيم 3382- حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، أخبرنا مُحمّدُ بنُ خَالِدِ بنَ عَثْمَةَ حدثنا مَالِكُ بنُ أَنَسٍ عَن زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ عَن أَبيهِ قَالَ ‏"‏سَمِعْتُ عُمَر بنَ الخَطّابِ رضي الله عنه يَقُولُ كُنّا مَعَ النّبيّ صلى الله عليه وسلم في بَعضِ أَسْفَارِهِ فَكلّمْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فَسَكَتَ ثُمّ كَلّمْتُهُ فَسَكَتَ، فحرّكْتُ راحِلَتي فَتَنَحّيْتُ وَقُلْتُ ثَكِلَتْكَ أُمّكَ يَا ابْنَ الخَطّابِ نَزَرْتَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم ثَلاَثَ مَرّاتٍ كُلّ ذَلِكَ لاَ يُكَلّمُكَ مَا أَخْلَقَكَ بِأَنْ يَنْزِلَ فِيكَ قُرآنٌ، قَالَ فَمَا نَشِبْتُ أَن سَمِعْتُ صَارخاً يَصْرُخُ بِي قَالَ فَجِئْتُ إلى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا ابْنَ الخَطّابِ لَقَدْ أنْزلَ عَليّ هَذِهِ اللّيْلَةَ سُورَة مَا أُحِبّ أَنّ لِي بِهَا ما طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشّمْسُ ‏{‏إِنّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً‏}‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسنٌ صحيحٌ غَرِيبٌ ورواه بعضهم عن مالك مرسلاً‏.‏

3383- حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ حدثنا عَبْدُ الرّزّاقِ عَن مَعْمَرٍ عَن قَتَادَةَ عَن أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ ‏"‏نُزلَتْ على النبيّ صلى الله عليه وسلم ‏{‏لِيَغْفرَ لَكَ الله مَا تَقَدّمَ مِنْ ذَنْبكَ وَمَا تَأَخّرَ‏}‏ مَرْجِعَهُ مِنَ الحُدَيْبيةِ فَقَالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم لَقَدْ نَزَلَتْ عَليّ آيَةٌ أَحَبّ إليّ مِمّا عَلَى الأَرْضِ ثُمّ قَرَأَهَا النبيّ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهم فَقَالُوا هَنِيئاً مَرِيئاً يا رَسُولَ الله لَقد بَيّنَ الله لَكَ مَاذَا يُفْعَلُ بِكَ فَمَاذَا يُفْعَلُ بِنَا، فَنَزَلَتْ عَلَيْهِ ‏{‏لِيُدخِلَ المُؤْمِنِينَ والمُؤْمِنَاتِ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ‏}‏ حَتّى بَلَغَ ‏{‏فَوْزاً عَظِيماً‏}‏ قال هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏ وفيهِ عَن مُجَمّعِ بنِ جَارِيَةَ‏.‏

3384- حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ‏:‏ قال حدثني عبد الرزاق عن عن معمر حدثني سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ حدثنا حَمّادُ بنُ سَلَمَةَ عَن ثَابِتٍ عَن أَنَسٍ ‏"‏أَنّ ثمَانِينَ هَبَطُوا عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وأصْحَابِهِ مِنْ جَبَلِ التّنْعِيمِ عِنْدَ صَلاَةِ الصّبْحِ وَهُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يَقْتُلُوهُ فَأُخِذُوا أَخْذاً فَأَعْتَقَهُمْ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فأَنْزَلَ الله ‏{‏وَهُوَ الّذِي كَفّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ‏}‏‏"‏ الاَيَةَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هَذا حديثٌ حَسَنٌ صحيحٌ‏.‏

3385- حدثنا الحَسَنُ بنُ قَزعَةَ البَصْرِيّ، حدثنا سُفْيَانُ بنُ حَبِيبٍ عَن شُعْبَةَ عَن ثُوَيْرٍ عَن أَبيهِ عَن الطّفَيْلِ بنِ أُبَيّ بن كَعْبٍ عَن أَبِيهِ عَن النّبيّ صلى الله عليه وسلم ‏"‏‏{‏وَأَلْزَمَهُم كَلِمَةَ التّقْوَى‏}‏ قَالَ لا إِله إِلاّ الله‏"‏ قال‏:‏ هَذا حديثٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفُهُ مَرْفُوعاً إِلاّ مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ بن قَزعَةَ قال‏:‏ وَسَأَلْتُ أَبَا زُرْعَةَ عَن هَذَا الحَدِيثِ فَلَمْ يَعْرِفْهُ مَرْفُوعاً إِلاّ مِنْ هَذَا الوَجْهِ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏في بعض أسفاره‏)‏ هو سفر عمرة الحديبية كما في رواية الطبراني، وفي رواية البخاري عن زيد بن أسلم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسير في بعض أسفاره وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يسير معه ليلاً قال القرطبي‏:‏ وهذا السفر كان ليلاً منصرفه صلى الله عليه وسلم من الحديبية لا أعلم بين أهل للعلم في ذلك خلافاً ‏(‏فسكت‏)‏ وفي رواية البخاري فلم يجبه‏.‏ قال الحافظ يستفاد منه أنه ليس لكل كلام جواب بل السكوت قد يكون جواباً لبعض الكلام، وتكرير عمر السؤال إما لكونه خشي أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسمعه أو لأن الأمر الذي كان يسأل عنه كان مهماً عنده ولعل النبي صلى الله عليه وسلم أجابه بعد ذلك وإنما ترك إجابته أولاً لشغله بما كان فيه من نزول الوحي ‏(‏فقلت‏)‏ أي لنفسي ‏(‏ثكلتك أمك‏)‏ بفتح المثلثة وكسر الكاف من الثكل وهو فقدان المرأة ولدها دعا عمر على نفسه بسبب ما وقع منه من الإلحاح، ويحتمل أن يكون لم يرد الدعاء على نفسه حقيقة وإنما هي من الألفاظ التي تقال عند الغضب من غير قصد معناها ‏(‏نزرت رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ بفتح النون وبالزاي بعدها راء بالتخفيف والتثقيل والتخفيف أشهر أي ألححت عليه ‏(‏ما أخلقك‏)‏ صيغة التعجب من خلق ككرم صار خليقاً أي جديراً ‏(‏فما نشبت‏)‏ بكسر الشين المعجمة بعدها موحدة ساكنة أي ما لبثت‏.‏ قال في النهاية‏:‏ لم ينشب أن فعل كذا أي لم يلبث وحقيقته لم يتعلق بشيء غيره ولا استغل بسواء ‏(‏صارخاً‏)‏ أي مصوتاً ‏"‏ما أحب أن لي بها ما طلعت عليه الشمس‏"‏ أي لما فيها من البشارة بالمغفرة والفتح ‏{‏إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً‏}‏ الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وحده واختلف في تعيين هذا الفتح فقال الأكثر على ما في البخاري‏:‏ هو صلح الحديبية والصلح قد يسمى فتحاً‏.‏ قال الفراء‏:‏ والفتح قد يكون صلحاً، وقال قوم أنه فتح مكة وقال آخرون إنه فتح خيبر‏.‏ والأول أرجح‏.‏ ويؤيده حديث أسلم العدوي هذا قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد البخاري والنسائي‏.‏

- قوله‏:‏ ‏{‏ليغفر لك الله‏}‏ أي بجهادك ‏{‏ما تقدم من ذنبك وما تأخر‏}‏ أي منه لترغيب أمتك في الجهاد وهو مأول لعصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بالدليل العقلي القاطع من الذنوب واللام للعلة الغائبة‏.‏ فمدخلها مسبب لا سبب قاله الجلال المحلي‏.‏ واختلف في معنى قوله ما تقدم من ذنبك وما تأخر فقيل ما تقدم من ذنبك قبل الرسالة وما تأخر بعدها‏.‏ قاله مجاهد وسفيان الثوري وابن جرير والواحدي وغيرهم وفيه أقوال أخرى ضعيفة والظاهر الراجح هذا الذي ذكرناه ويكون المراد بالذنب بعد الرسالة ترك ما هو الأولى وسمي في حقه ذنب لجلالة قدره وإن لم يكن ذنباً في حق غيره ‏(‏مرجعه‏)‏ أي وقت رجوعه ظرف لقوله أنزلت ‏(‏فقالوا هنياً مرياً يا رسول الله‏)‏ قال القسطلاني أي قال أصحابه صلى الله عليه وسلم‏:‏ هنيئاً أي لا إثم فيه مريئاً أي لا داء فيه، ونصباً على المفعول أو الحال أو صفة لمصدر محذوف أي صادفت أو عش عيشاً هنيئاً مريئاً يا رسول الله غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ‏{‏ليدخل المؤمنين والمؤمنات إلخ‏}‏ اللام متعلق بمحذوف أي أمر بالجهاد ليدخل إلخ‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد والشيخان‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفيه عن مجمع بن جارية‏)‏ يعني وفي الباب عن مجمع بضم الميم وفتح الجيم وتشديد الميم المكسورة ابن جارية بالجيم ابن عامر الأنصاري الأوسي المدني صحابي أحد القراء الذين قرأوا القرآن وأخرج حديثه أحمد وأبو داود في الجهاد‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أن ثمانين هبطوا‏)‏ أي نزلوا وفي رواية أحمد لما كان يوم الحديبية هبط على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ثمانون رجلاً من أهل مكة بالسلاح ‏(‏أن يقتلوه‏)‏ أي رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏فأخذوا‏)‏ بصيغة المجهول أي الثمانون ‏(‏فأعتقهم‏)‏ وفي رواية أحمد فعفا عنهم‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي في التفسير‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن أبيه‏)‏ هو سعيد بن علاقة أبو فاختة‏.‏ قوله‏:‏ ‏{‏وألزمهم‏}‏ أي المؤمنين ‏{‏كلمة التقوى‏}‏ أي من الشرك وهي لا إله إلا الله وأضيف إلى التقوى لأنها سببها وبه قال الجمهور، وزاد بعضهم محمد رسول الله وزاد بعضهم وحده لا شريك له وقال الزهري هي بسم الله الرحمن الرحيم وذلك أن الكفار لم يقروا بها وامتنعوا عن كتابتها في كتاب الصلح الذي كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ثبت ذلك في كتب الحديث والسير‏.‏ فخص الله بهذه الكلمة المؤمنين وألزمهم بها والأول أولى لأن كلمة التوحيد هي التي يتقي بها الشرك بالله ويدل عليه حديث أبي بن كعب هذا ‏(‏قال‏)‏ أي النبي صلى الله عليه وسلم في تفسير كلمة التقوى ‏"‏لا إله إلا الله‏"‏ أي هي لا إله إلا الله‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ وأخرجه أحمد وابن جرير والدارقطني في الأفراد وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات‏.‏